يشيع في بعض اللهجات الشاميّة المعاصرة استعمال التركيب الإضافيّ (خاطرك) المكوّن من الاسم خاطر مضافًا إلى الضمير المتّصل كاف الخطاب الذي يتصرّف بحسب عدد المخاطبين، وأجناسهم فيقال: (خاطرك، وخاطركن، وخاطركم، ...)، ويدلّ هذا التركيب في الاستعمال اللهجيّ على الوداع، والسامع لهذا التركيب يظنّ أنّه استعمال مُحدَث، ولكنّي وجدتُ ذكرًا له في كتاب أُلّف في القرن الثاني عشر الهجريّ فقد ذكر أحمد بن محمّد الكوكبانيّ (ت1151ه) في كتابه (حدائق النمّام في الكلام على ما يتعلّق بالحمّام) أنّه «دخل بعض المفرطين في طول القامة حمّامًا، فلمّا استلقى في صدر الحمّام على ظهره، جعل بعض خادمي الحمّام المجّان يعالجه بالتغميز، ونحوه من الأعمال المعهودة في الحمّام، فبدا(1) في التغميز بالأعلا(2) من أعضاء الرجل المستحمّ الطويل، كالرأس والكتف واليدين ونحو ذلك، حتّى أكمل عمله، وأراد أن ينزل من عند رأسه إلى عند قدميه لمعالجتها بما ذُكِرَ من التغميز ونحوه، فقال الخادم للرجل: خاطرك يا سيّدي، فقال أين تذهب؟ فقال: مرادي أنزل عند قدميك، وهذه الكلمة بمحلّ من الإتحاف كما ترى، فإنّه أراد هذا الخادم الكناية اللطيفة عن إفراط الرجل في طول القامة، وأنّ النزول من عند رأسه إلى عند قدمه مسافة بعيدة كالسفر البعيد القاصي؛ لأنه جرى العرف أن الإنسان لا يقول لإنسان: خاطرك إلا مع عزمه إلى محل بعيد نأى، فقد جعل قامة هذا الرجل بهذه المثابة»(3). ويستفاد من النصّ السابق أنّ هذا التركيب الإضافيّ (خاطرك) قديمٌ نسبيًّا إذ يقدّر عمره بما يربو على مائتي عام؛ لأنّ الكوكبانيّ الذي ذكر هذا التركيب قد عاش في أواخر القرن الحادي عشر حتى منتصف القرن الثاني عشر الهجريّين -بحسب تقديري-، وأنّ تركيب (خاطرك) كان مستعملاً في لهجة اليمن في القرن الثاني عشر الهجريّ، وربّما قبله، ويفهم أيضًا من النصّ السابق أنّ تركيب (خاطرك) ليس تركيبًا فصيحًا؛ لأنّه ورد في زمن متأخّر جدًّا عن عصور الاحتجاج في العربيّة، بل هو تركيبٌ عامّيٌّ ينتمي إلى اللهجات الحِرْفِيَّة التي هي جزءٌ من اللهجات الاجتماعيّة وهي: «اللهجات التي يتكلّم بها فيما بينهم أهلُ الحرف المختلفة كالبراديّين والنجّارين والنقّاشين والصيّادين البحارة...»(4). ونلحظ أنّ هذا التركيب قد انتقل من بيئة اليمن إلى بيئة الشام في العصر الحاضر بالمعنى نفسه. وللاستزادة من توثيق هذا التركيب الإضافيّ (خاطرك) فقد راجعت مادّة (خ/ط/ر) في معجم تاج العروس من جواهر القاموس للزبيديّ عَصْرِيّ الكوكبانيّ وبَلَدِيّه؛ لعلّي أجد هذا التركيب في معجمه، ولكنّي لم أظفر بشيء حوله، وكان سبب رجوعي إلى هذا المعجم هو حرص الزبيديّ على الاستشهاد بلهجة العامّة في غالب المواضع المصريّة، وبعض العامياّت الأخرى في زمنه(5)، وربّما يعود سبب إغفال الزبيديّ لهذا التركيب -من وجهة نظري- إلى اهتمامه الواسع بلهجات مصر مع قلّة اهتمامه بلهجات باقي الأقطار العربيّة الأخرى، ومنها لهجات اليمن. ... ... ... الحواشي: (1) لعلّ الأولى (فبدأ) بتحقيق الهمزة لا بتسهيلها؛ لكيلا تلتبسَ بالفعل (بدا)، فيُفهَمَ منها أنّها من الفعل (بدا يبدو بدوًّا) أي: ظهر. (2) لعلّ الأولى أن ترسم بهذه الصورة (الأعلى)؛ لأنّ المشهور في قاعدة رسم الألف اللينة في العصر الحاضر أن ترسم بهذه الصورة (ى) إذا وقعت رابعة فصاعدًا. (3) الكوكبانيّ، القاضي شهاب الدين أحمد بن محمّد الحيمي: حدائق النمّام في الكلام على ما يتعلّق بالحمّام، تحقيق: عبد الله محمّد الحبشيّ، دار الصميعي، الرياض، المملكة العربيّة السعوديّة، الطبعة الأولى، 1433ه/ 2012م، ص154، ص155. (4) وافي، عليّ عبدالواحد: اللغة والمجتمع، شركة مكتبات عكاظ للنشر والتوزيع، جدّة، المملكة العربيّة السعوديّة، الطبعة الأولى، 1403ه/ 1983م، ص131، ص132. (5) انظر نصّار، حسين: المعجم العربيّ نشأته وتطوّره، دار مصر للطباعة، القاهرة، مصر، الطبعة، الرابعة، 1408ه/ 1988م، ج2، ص538. ** **