لم تكن ملامحه بهذه الحدة التي تبدو في صورته الرسمية الآن، كان أنفه أصغر، وفمُهُ أدق، ونظرته أقل نفاذًا، وإن كنت أظنها أكثر تركيزًا! وخلف تلك الملامح كانت ترتسم صفحةٌ بيضاء، مصقولة الأطراف، تنتظر - من حيث لا يشعر- نصًا طويلاً معقّدًا! وقلبٌ تملؤه غضارة الصِّبا، وأشواق الطفولة.. وثيابه ليست رثة دائمًا، لكنها أيضًا ليست بهذا البريق.. وماذا أيضا؟! تلفّتُه.. كان تلفته أكثر شغفًا، ومغامراته أكثر خطورة.. أحيانًا يحن لذلك الشغف، ويتبرّم من الظهور في سمت التعقّل المبالغ فيه.. أو التعاقل! قريته هي إحدى القرى الجنوبية البسيطة، وهي عالمه الممتد من عتبة البيت، مرورًا بتلك الساحة التي شهدت ملاعبه الأثيرة، ومباهجه الكثيرة، وصولاً إلى عتبات بيوت رفاقه حيث تنتهي تلك الساحة.. ومن خلف البيوت ينداح ذلك الوادي المليء بأشجار السدر والسمر، الوادي الذي يزدان في موسم الأمطار بالزروع والثمار، وبالطين الذي كان أجمل عنده من كل ذلك، حيث يُخفي فيه قدميه، ويبني به هو ورفاقه مدينتهم الفاضلة! همُّهُ الأكبر: كيف يستمتع بيومه أكثر من أمسه! أصحابه: في مثل حاله، وأمنياتهم أمنياته.. رأس ماله لُعبته، وربحُه ابتسامته.. يزيد من قيمة أسرته ورفاقه وألعابه عنده أنه من جيل الثمانينات الميلادية، الذي لم يكن يبتعد مفهوم العالم والحياة عنده عن ذلك! غير أنه يتجلى أحيانًا.. الذي أعنيه بالتجلي هو ذاك المستوى الرفيع من الإحساس بالنفس والحياة والمصير، لدرجة أن تدمع عيناه حين يقرأ «عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى». ما هذه الأشواق المبكرة؟ ربما هو الصفاء الطفولي الذي تُعين عليه الحياة القروية البسيطة، وتربية الأمهات المؤمنات، هو الآن يعزو ذلك الحدث إلى هذه الظروف.. لكن حين يعود لنفسه الآن، يتحسر على ذلك الإحساس الشفيف الحميم.. لمْ يتشوه تمامًا، لكن ملامح تلك النفس تغيرت بلا شك، كما تغيرت ملامحُ وجهه..! ** **