رحل الخال الشيخ حمد الحصيني عن هذه الدنيا الفانية إلى رحمة الله ومغفرته -بإذنه تعالى- يوم الأحد الثالث عشر من شهر رجب عام 1441ه تاركاً أثراً كبيراً ولوعة في قلوب أسرته وأهله والمحيطين به بأفعاله الجميلة وأعماله الجليلة ففقد مثله -فضلاً ونبلاً - مصيبة لا تحد، وثلمة لا تسد؛ لكن عزاءنا فيه أنه كان قريباً من الله عزَّ وجلَّ ودينه القويم بعيداً كل البعد عن الدنيا وزخارفها، مع حصول مقاصدها له وتوفر أسبابها، وذلك بحرصه البالغ الأكيد على معاقد الدين وجلائل الأعمال؛ من صلاة وصيام وقيام وإنفاق لماله وبذل له منقطع النظير في وجوه الخير وصلة لرحم يبلِّها بالبر والتقى. وعزاءنا فيه أنه كان صاحب ليل إذا نامت العيون وسكنت الجفون فقد استقر في روحه أن شرف المؤمن في قيامه لليل، وعمارته بالصلاة والذكر وكان ذلك دأبه في الحضر والسفر. وقد سألته مرة بعد أن تجاوز السبعين من عمره عن ورده وحظه من صلاة الليل فأخبرني أنه يقوم ويصلي بأربعة أجزاء من القرآن، وذلك الإخبار إنما كان من باب الحث على العمل الصالح والاجتهاد فيه وعزاؤنا فيه أنه كان مصاحباً للقرآن فهو أنيسه وسلوته يتلوه تلاوة خاشعة آناء الليل وأطراف النهار ويقضي زلفاً من وقته معه متدبراً متعظاً به. وعزاؤنا فيه أنه قد علم أجر الصيام وأنه لله فهو يجزي به فأصبح من أهل الصيام، لا تفوته النوافل المرغَّب فيها بالصيام فهو حريص كل الحرص على صيامها ما لم يعرض له عارض من مرض أو سفر أو عذر، بل حتى في مرضه الأخير وقد تجاوز التسعين من عمره كان حريصاً كل الحرص على صيامه وعبادته. وعزاؤنا فيه أنه كان قد علم أن سياحة روحه وراحة نفسه في الحج والعمرة فأسس له نزلاً في مكة قريباً من المسجد الحرام يمكث فيه شهر رمضان المبارك وجزءًا من شوال وأيام الحج ويؤوي فيه القاصدين لمكة من أهله وأقربائه ويكرمهم ويتلطف معهم ويتودد إليهم. وعزاؤنا فيه أنه قد علم أن الرحم معلَّقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله وعليه، فقد كان واصلاً لرحمه وضرب في ذلك أروع الأمثلة فهو مع القريب واصلاً وإلى البعيد مسافراً، للسلام والاطمئنان والصلة والبر والكرم يقابلهم بالبشر وحسن الرفادة سائلاً عن أحوالهم متلمساً لحاجاتهم ومجرياً لهم الهبات ومهدياً لهم الأعطيات، وكان ذلكم فيه عادة محمودة وجادة مسلوكة، لم يتركها إلى لحظاته الأخيرة وأيامه الدنية. وعزاؤنا فيه: أنه محب للعلم ومكرم للعلماء وطلاب العلم وأهل الدعوة والخير، كان يدعوهم إلى منزله ويكرمهم ويسأل عن مشاريعهم الخيرية وأعمالهم التطوعية ويدعمهم ويساندهم بما يستطيع من ماله. وعزاؤنا فيه أنه امتثل لأمر الله بعمارة المساجد وبنيانها على التقوى والعلم والإيمان منطلقاً من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة». فعمل بذلك وطبَّقه بكل إيمان وسرور، وبنى أكثر من ثلاثمائة مسجد بعضها ملحق به دور نسائية لتحفيظ القرآن الكريم ومدارس شرعية، كما حدثني بذلك أحد أبنائه، وقد حرص في بنائه لهذه المساجد على الجودة في البناء والجودة في المخرجات والآثار وذلك بتوفير طلاب علم يقومون بدور فعَّال في إذكاء روح العلم بمناشط متميزة من حلقات لتحفيظ القرآن الكريم ودروس شرعية وإقامة متميزة للمدارس العلمية المنتظمة والمحاضرات النافعة للمجتمع والأمة. وعزاؤنا فيه: أنه قد علم أن من فرَّج عن مسلم كربة من الدنيا فرَّج الله عنه كربة من كرب الآخرة فكان -رحمه الله- داعماً للعمل الخيري على تنوّع أطيافه، وتعدّد أحواله، فهو من رجال البذل والعطاء، كان -رحمه الله- ينفق بسخاء تام وكرم منقطع النظير والمثال، وكانت له يد طولى من تفريج الكربات بما يستطيع حينما يُصاب المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بكوارث أو حروب أو مجاعات، بل كان يحث إخوانه وأصحابه وأقرانه من التجار على ذلك. عزاؤنا فيه أنه قد أنشأ جمعية خيرية تحمل اسمه: مؤسسة حمد الحصيني الخيرية، وتعد -ولله الحمد والمنة - من أشهر المؤسسات الوقفية في المملكة ولها أهداف وبرامج متنوِّعة في أعمال الخير والبر، ومن حصيف فقهه ولطيف فهمه أنه أشرك فيها أولاده وزوجاته وذوي رحمه، وخصَّص لها أوقافاً قبل رحيله وجعل مجلس نظارتها من بنيه وأولاده الذين كان لهم الدور الأكبر في قيام هذه المؤسسة مع بعض طلاب العلم وجملة من المتخصصين في هذا المجال من أصحاب الخبرة وذلك لضمان استمرارها مما كان له أكبر الأثر في تنوّع وتدفّق مناشطها التي تعدَّت وتجاوزت أكثر من تسعمائة مشروع خيري. وعزاؤنا فيه كثرة المصلين عليه والمشيعين له والمعزّين فيه ممن يعرفه وممن لا يعرفه. نسأل الله أن يرحمه ويغفر له ويؤنس وحشته ويجعل ما أنفق وما أوقف حجاباً له عن النار، وأن يرفع ذكره ويعلي درجته في جنات الفردوس الأعلى. ** **