كان عالماً راسخاً في علم الأصول وصاحبَ نظراتٍ دقيقةٍ في كثيرٍ من مسائله، وكان لغوياً من الطراز الرفيع جمع بين الدراية بعلوم اللغة العربية والذائقة الأدبية الرفيعة. عرفته -رحمه الله - قبل ما يزيد على خمسة وثلاثين عاماً وتوطّدت علاقتي به عندما تشرَّفت بمزاملته في مجلس الشورى في الدورتين الثانية والثالثة. عرفت فيه -رحمه الله- الغيرة الصادقة على الدين والوطن والأمة متفاعلاً مع كل أمرٍ يمس الإسلام أو ينال من الوطن لا يهدأ له بال حتى يفعل شيئاً حياله، وحاملاً لهموم قضايا الأمة وكأنه موكلٌ بها. غمرني -رحمه الله - بلطفه ومكارم أخلاقه وتواضعه الجم، مثلما غمرني بحبه وعطفه. وقد كان من تواضعه -رحمه الله- أنه كان يشعرني ويعاملني وكأنني واحد من أقرانه وأنداده في حين أنني في الحقيقة من أصغر تلاميذه. تعلَّمت منه الكثير الكثير وطالما تدارست معه متعلّماً مسائل من مسائل علم الأصول والفقه والتفسير وعلم السلوك فلم أجد فيه إلا غزارة العلم وسعة الأفق والصدر. لم يحرص على الظهور بأي شكل من الأشكال، حيث كان يؤثر الصمت والعمل في الخفاء، وكان في ذلك أشبه بكبار الزهاد -رحمه الله- كان كتلة من العقل والحكمة وبعد النظر متأنياً في آرائه وأحكامه وكأنه يزنها بموازين الذهب والياقوت. تولى مناصب مختلفة زانت به قبل أن تزيِّنه، فقد كان أستاذاً لعلم الأصول في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضواً في مجلس الشورى لثلاث دورات متتابعة وعضواً في هيئة كبار العلماء التي تعد أعلى مرجعية شرعية في المملكة العربية السعودية. لم ينقطع عن التدريس -رحمه الله- وعلى الرغم من ذلك وما تولاه من مناصب فقد ترك مؤلفات علمية كثيرة ومهمة وبخاصة في مجال علم الأصول منها كتاب علم أصول الفقه حقيقته ومكانته وتاريخه ومادته، وكتاب العلة عند الأصوليين، وكتاب القياس في الأسباب، وكتاب العمل بالمصلحة، وكتاب المفتي في الشريعة الإسلامية وتطبيقاته في هذا العصر وغيرها كثير -رحمه الله-. فيا لفقده من فقد وما أصدق قول أمير الشعراء أحمد شوقي -رحمه الله- عندما رثا والده في التعبير عن مشاعري تجاه هذا الفقد حين قال: رحم الله شيخي وأستاذي الجليل وأخي الحبيب معالي الدكتور عبدالعزيز بن عبدالرحمن الربيعة وتغمده بعفوه وكرمه، وأنزله منازل الصديقين والشهداء والصالحين، وجمعنا به ومن أحبَّ ونحب في جناته، وجبر مصابنا ومصاب المملكة والأمة وعوّضنا فيه خيراً و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.