الحمد لله على ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه وبعد: فقد فقدت الأمة الإسلامية يوم الثلاثاء 8/9/1426ه عالماً جليلاً نذر نفسه لنشر العلم وتعليمه والدعوة إلى الله عزَّ وجل. إنه شيخنا عبدالله بن حسن بن قعود الذي جمع خصالاً قلما تجتمع في غيره، فهو عالِم جليل، ومربّ فاضل، وداعية يحمل هم الإسلام وتبليغه للناس، وخطيب مفوه، ذو خُلق رفيع، وتواضع جم، مستقل في آرائه وطرحه، وقد لازمت الشيخ لأكثر من عشر سنين ورأيته يمثل بحق مدرسة لطلاب العلم والدعاة، ومما تميز به الشيخ: التأصيل العلمي والتحرير لكثير من المسائل العلمية معتمداً في ذلك على الدليل من الكتاب والسنَّة، وقد تأثر بشيخه عبدالعزيز بن باز في حرصه على الدليل ونبذ التعصب المذهبي، وكان كثيراً ما يثني على الشيخ عبدالعزيز يقول: ابن باز صاحب سنَّة وأثر، ومما تميز به الشيخ: الخشوع والرقة وكثرة البكاء من خشية الله، ويلحظ ذلك من يحضر خطب الشيخ فقلما يخطب خطبة لم يبك فيها، وكذا في تلاوته للقرآن وفي بعض أحاديثه ودروسه. والشيخ معروف بمحافظته على قيام الليل ولا يعرف أنه ترك قيام ليلة من الليالي لا سفراً ولا حضراً، وكان يأتي للمسجد بعد أذان الفجر مباشرة ويقرأ القرآن عن ظهر قلب حتى تقام الصلاة ويسمع له أثناء ذلك نشيج بالبكاء وتأوه وعبرات، ومما تميز به الشيخ الزهد في الدنيا، فالشيخ يعتبر بحق من الزهاد في هذا الزمان الذي قلَّ فيه الزهد وأهله، وكان الشيخ كثيراً ما يعتبر بحال شيخه عبدالعزيز بن باز ويقول عنه: الشيخ ابن باز لا تكاد تذكر الدنيا في مجلسه ومما تميز به الشيخ : حسن الخلق والتواضع الجم فيستطيع أي أحد أن يصل إليه ويتحدث معه، وقل أن يمر يوم ولم يأت أحد، يقصد الشيخ، بالاستفتاء أو غيره، ومما تميز به الشيخ عنايته بطلابه وتلاميذه ومحبته الشديدة لهم، وكان يتعامل معهم على أنهم إخوة له وهذا مما أكسب الشيخ قبولاً ومحبة من عامة الناس وخاصتهم.. ولئن كان للشيخ فضل على طلابه عامة فإن له عليَّ أفضالاً عظيمة ومعروفاً كبيراً لن أنساه ما حييت، فقد غمرني بأخلاقه العالية وبشخصيته الفذة فكان شيخنا ووالداً ومربياً ومعلماً..، وكان من توفيق الله لي أن توليت إمامة الجامع الذي كان يصلي فيه الصلوات الخمس بطلب منه رحمه الله، وكان إذا أشكلت عليّ مسألة أو نزلت نازلة أسأله فأجد عنده الجواب الكافي بأسلوب بسيط وعبارة سهلة. وقد مرض الشيخ في آخر عمره وألزمه المرض الفراش لأكثر من خمس سنوات، ومع ذلك كانت محبته قد سكنت القلوب فكانت جنازته جنازة مشهودة حيث امتلأ جامع الإمام تركي بن عبدالله وهو من أكبر الجوامع سعة في مدينة الرياض، ويسع آلاف المصلين، وصلى بعض الناس في الساحات الخارجية للجامع، وهذا يذكرنا بمقولة الإمام أحمد: قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم الجنائز، وقد قال عليه الصلاة والسلام لما أثني على جنازة خيراً: وجبت ثم قال: أنتم شهود الله في أرضه.. فاسأل الله تعالى أن يغفر لشيخنا ويرحمه ويرفع درجته في المهديين ويخلفه في عقبه في الغابرين وأن يخلفه على الأمة الإسلامية بخير خلف. ٭عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة بجامعة الإمام