كل 8 مارس يحتفي العالم بمنجزات المرأة. هذا العام يأتي متوجاً بقمة الجي 20 تعقد في الرياض, ومزدانة بإذن الله بمشاركة المرأة والشباب فيها. وثقتي بالمرأة ودورها وخبرتي تحفل بالكثير منذ شبابي. في عام 1976 عدت من الولاياتالمتحدة بشهادة الدكتوراه في الإدارة التربوية والتخطيط للمدى الطويل تنموياً. وفي عام 1988 طلبت مني المشرفة على القسم النسائي بجامعة الملك فيصل بالدمام وقتها الأستاذة شعاع المنقور أن أشارك في البرنامج الثقافي, وفعلت بتقديم محاضرة عامة مفتوحة للسيدات كانت بعنوان «دور المرأة السعودية في التنمية»، حضرتها أكثر من 200 فتاة وسيدة مهتمة بالموضوع من شتى مدن المنطقة الشرقية؛ حضور كثيف لا أعزوه لانحصار فرص الترفيه العام بقدر ما رأيته دليلاً على أهمية الموضوع لهن خاصة وقد وصل تعليم المرأة في السعودية إلى المرحلة الجامعية في كل المناطق ومدنها الرئيسية. قدمت في المحاضرة الكثير من المقترحات العملية الجادة الممكن تنفيذها لتفعيل المرأة بتدريبها وتأهيلها تخصصياً. بعدها جاءني طلب من جامعة الملك سعود بالرياض لتقديم هذه المحاضرة فيها ورحبت بذلك. كان من دواعي غبطتي أن حازت الأفكار المقدمة فيها على رضا الحاضرات حيث طلبت مني مسؤولة الخدمة المدنية نسخة تستنير بها. كما أسعدتني شابة متحمسة هي الآن د. فوزية البكر بطلب نسخة منها لكي توصلها إلى الأستاذ خالد المالك رئيس تحرير صحيفة الجزيرة حيث تكتب، مؤكدة أنه سيتحمس لنشرها فيها، ما يدل على أن تمكين المرأة كان يهم الكثير من القيادات نساءً ورجالا. أفردت «الجزيرة» صفحة كاملة لنشر المحاضرة الطويلة. وهذا أوصلها للمهتمين خارج نطاق من حضرنها فعلياً. فوجئت بعدها برسالة من رئيس شركة أرامكو، حيث أعمل يحيطني أن وزير التخطيط غازي القصيبي -رحمه الله- طلب في رسالة رسمية موجهة لرئيس إدارة العلاقات الحكومية تزويدهم بنسخ من المحاضرة ليستفيد منها موظفو وزارة التخطيط في وضع مقترحات خطة التنمية القادمة. حقيقة لم أكن أتوقع كل هذا الاهتمام والترحيب بمحتواها البسيط في نظري.. ولم ينته الأمر عند هذا فبعد سنوات طويلة وهاتفتني قريبة تعمل برئاسة تعليم البنات أن رئيسها طلب منها التوسط للحصول على نسخة من تلك المحاضرة. أكدت لها أن عليه أن يتصل بنفسه لأعرف منه لماذا يريدها. حين اتصل شرح لي أنه وهو يعد وقتها للدكتوراه في التربية وجد أن كثيراً من الباحثين وطلبة الدكتوراه السعوديين يشيرون إليها ويستشهدون بمقتطفات منها، وأنه يريد أن يفعل ذلك شخصياً ومباشرة. قلت له إنني قد أجد المحاضرة بين كل أوراقي المتراكمة في الأدراج ولكني لا أنصحه أن يقترح ما احتوته من مقترحات حيث الزمن حفل بكثير من المستجدات في أوضاع المجتمع والاقتصاد وأعداد الفتيات في المدارس والجامعات ومواقع العمل المتاحة، ما يعني أن المقترحات الآنية في تلك المحاضرة لم تعد ما يجب أن يقترح ليواكب الزمن والمستجدات. خلال العقود الثلاثة التي تلت تقديم المحاضرة تراجع الاهتمام بتمكين المرأة مع تصاعد توجهات الصحوة، ثم عاد إلى المقدمة مع تزايد متطلبات تكلفة الحياة الكريمة أسرياً ومجتمعياً إذ أصبح واضحاً ضرورة تفعيل كل الموارد المتاحة ومنها طاقات ومهارات المواطنين، فبينما لم تكن الطاقات النسائية مفعّلة كما يجب كانت أعداد المستقدمين تتزايد إلى الملايين. تغير الوضع بصورة واضحة بعد رؤية 2030 وتنفيذ إستراتيجية التحول الشامل لتفعيل وتمكين الشباب والمرأة. أشكر صناع القرار ومسؤولي الوزارات لتحقيق حلم بدا بعيداً جداً فأشرق وتحقق. وأشكر بالذات سمو ولي العهد محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ثم وزير العدل وليد الصمعاني لتوضيح وتأكيد حقوق المرأة وتقنين أوضاعها أسرياً ومجتمعياً. أنا سعيدة جداً بكل ما تحقق في مسيرة تفعيل وتمكين المرأة السعودية حتى الآن.. فخورة بها وطموحة لتحقيق المزيد. وأتوقع خلال العقد الحاضر أن التركيز سيتحول تدريجياً من الجانب الكمي إلى النواحي النوعية فيصبح التخيّر للتوظيف والتعيين بناء على الكفاءة والمهارات، وتنفتح مجالات جديدة لمشاركة المرأة وارتقائها بناء على التنافسية المهنية التخصصية وليس الدعائم الأسرية. آمل هنا ألا تضيع أهمية خبرة الرائدات في خضم التركيز على تفعيل الشباب والشابات فقط. وطننا ومجتمعنا سيحقق الأداء الأفضل عبر تفعيل طاقات جميع الفئات ليكون الناتج ما يقدمه الفريق الأكمل لتغطية كل الاحتياجات التنموية والاقتصادية والمجتمعية. كل عام وكل النساء في وطننا في تقدم وعطاء ورضا وانتماء. وكل عام وقياداتنا تتخذ قراراتها ببعد نظر وشمولية تنموية متكاملة.