حدد ابن جني وغيره خمسة أشراط لقلب الواو من (ثوب) في جمعه (ثِياب)، وهي كون الواو بين كسرة وألف في جمعِ مفردٍ سكنت فيه(1)، قال ابن جني «فلما تجمَّعت هذه الأشياء المستثقلة كلها، هربوا من الواو إلى الياء، ويدلك على أن مجموع هذه الأشياء هو الذي أوجب القلب، لا الواحد منها منفردا، قولهم في جمع (طويل: طِوَال) والكلمة جمع، وبعد الواو منها ألف، وقبلها كسرة، والواو مع ذلك صحيحة؛ لأنها كانت في الواحد قوية بالحركة، فثبتت في الجمع»(2). والفرق كما نفهم من قول ابن جني بينهما أن الواو من مفرد (طوال) وهو (طويل) متحركة أي إن الواو بعدها كسرة، وهذا اعتمادًا على ما أطبقوا عليه من أن كلّ مدّ مسبوق بحركة مجانسة له. وهذا أمر متوقف فيه، فالواو من (طويل) بعدها كسرة طويلة، ولذلك لا بدّ من البحث عن علة أخرى سوى هذه العلل الخمس التي ذكرها ابن جني وغيره. الواضح أن الواو بعد الكسرة القصيرة إن تلتها ألف ماثلت الواو الكسرة فصارت ياءًا كما في ثِياب وغيرها من الأسماء والمصادر مثل قيام من قام يقوم وقِيام جمع قائم أيضًا، ولكنا نجد الواو تصح في مصادر وجموع أخرى مثل حِوار وطِوال. وأما المصدر (حِوار) ونحوه فنجد تفسير تصحيح الواو في أن بناءه بناء (قِتال) الذي أصله (قيتال)، قال ابن يعيش، «ومثلُه (قِيتالٌ) في مصدرِ (قاتَلَ). هذا هو الأصل، ومن قال: (ضِرابٌ) و(قِتالٌ)، فإنّه حذف الياء تخفيفًا وللعلم بموضعها»(3). وإذن (حِوار) في الأصل (حيوار) فالواو مسبوقة في الأصل بكسرة طويلة لا قصيرة ولذلك صحت الواو في (حِوار) لأن الكسرة مقصرة عن الطويلة، وهذا ما اعتل به أستاذنا داود عبده، وهو قوله «إن الواو في مثل حِوار وجِوار (مصدري حاوَرَ وجاوَرَ) لم تتحول إلى ياء (قارن: قِيام وحِيازة)، مما يدل على أن مصدري حاوَرَ وجاوَرَ كانا في مرحلة ما حيوارًا وجيوارًا. أي إن ما منع تحول الواو فيهما إلى ياء هو –فيما أحسب- أن قاعدة تحوّل الواو إلى ياء كانت تطبَّق على الواو إذا كانت مسبوقة بكسرة، ولكنّها لم تكن تطبَّق عليها إذا كانت مسبوقة بكسرة طويلة. ثم قصّرت العلة الطويلة في مرحلة لاحقة بسبب وقوعها قبل مقطع منبور، وبقيت الواو على حالها»(4). ولعل ما جرى في حوار وجوار ونحوها هو ما جرى في (طِوال) جمع (طَويل)، ونفترض أن (طويلًا) في الأصل (طاويل)، كأنه من طاوَلَ، جاء في (التاج) «فصارَ طِوالٌ مِنْ طَوِيلٍ، كجِوَارٍ مِنْ جَاوَرْت»(5)، وافتراض أنه (طاويل) يقتضي أن يجمع على (طيوال) بكسرة طويلة قُصِّرت بعد ذلك إلى (طِوال)، وفسّر برجستراسر حدوث هذا بكراهة توالي المدود، قال «وذلك أن تتابع المقطعين الممدودين، ليس بمقبول للسمع في بعض الأوقات، فاجتنبوه؛ ومن ذلك أنهم قالوا: (قيتال) في مصدر (قاتَلَ)، وكان الأولى أن يكون: قيتالًا، لامتداد الحركة الأولى في: قاتل، فقصروها لكيلا يتتابع الممدودان. ومنه أيضًا: (رضيع) بمعنى: مراضع، و(حليف) بمعنى: محالف، وما يشبههما، فكان الأولى أن تكون راضيع، وحاليف، تبعًا لامتداد الفتحة في: راضَعَ، وحالَفَ»(6). فالواو أعلت في (ثِياب) للكسرة القصيرة، وصحت في (طِوال) لسلامتها لأن الكسرة طويلة في بنيتها الباطنة قبل تقصيرها في البنية الظاهرة. ... ... ... (1) ابن جني، المنصف شرح كتاب التصريف لأبي عثمان المازني، ص: 342. (2) ابن جني، المنصف شرح كتاب التصريف لأبي عثمان المازني، ص: 342. (3) ابن يعيش، شرح المفصل، 5: 385. (4)داود عبده، دراسات في علم أصوات العربية، 1: 153. (5)الزبيدي، تاج العروس، 29: 391. (5)برجستراسر، التطور النحوي للغة العربية، ص 67-68.