إنّ المستقرئَ لتعريفات بعض المشتغلين بالدراسات النحويّة والتصريفيّة يلحظ أنّ هناك قصورًا في تحديد الصورة السداسيّة لصيغة منتهى الجموع، والمقصود بالصورة السداسيّة هي: كلّ جمع تكسير ثالثه ألف زائدة يليها ثلاثة أحرف أوسطها ياء ساكنة، وهذا القصور يتجلّى في أن التعريف الشائع لهذه الصيغة غيرُ دقيق، فأغلب من وقفت على تعريفاتهم لهذه الصيغة لا يشيرون إلى اشتراط أن يكون الحرف الأوسط في الصيغة السداسيّة ياءً ساكنة، وهذا مخالف لما يشترطه المناطقة في صياغة التعريفات أن «يكون التعريف مساويًا للشيء المعرَّف في الانطباق على مصاديقه» (1)، ولكي ندلّل على هذه الظاهرة فإننا محتاجون إلى إيراد بعض التعريفات التي تسنّى لنا الوقوف عليها لصيغة منتهى الجموع؛ لنرى موطن الخلل في هذه التعريفات: التعريف الأوّل: يعرّفها الزجّاج (ت311ه) بأنّها «كلّ جمع يأتي بعد ألفه حرفان أو ثلاثة الأوسط منها حرف لين» (2)، ويبدو لي أن هذا التعريف فيه ثلاث ملحوظات تجدر الإشارة إليها: الأولى هي: إغفالُ الزجّاجِ النصَّ على أنّ الحرف الساكن ياءٌ، والثانية هي: استعمال مصطلح حرف لين؛ إذ ليس الحرف الأوسط في هذه الصيغة حرف لين، وإنّما هو ياء مدّ؛ لأن الياء ساكنة، وقبلها كسرة، وهذه تسمّى عند علماء الأصوات بالياء الطويلة أو ياء المدّ، ولعلّ الزجّاج يعذر في ذلك بسبب أنّ المصطلحات الصوتيّة لم تكن قارّة في زمنه، والثالثة هي: أنّ إطلاق مصطلح حرف اللين فيه تعميم فقد توصف الواو أو الياء بأنّهما حرفا لين، ولم يرد في أمثلة صيغ منتهى الجموع السداسيّة إلا أنّ الحرف الأوسط ياء مدّ. التعريف الثاني: يعرّفها محمّد خير الحلواني بأنّها «كلّ جمع تكسير يأتي بعد ألف تكسيره حرفان أو ثلاثة أحرف» (3)، ونَلحظ على هذا التعريف أنّه لم ينصّ على سكون الحرف الأوسط من الثلاثة، ولم يقيّده بالياء الساكنة، ويرد على هذا التعريف أيضًا أمثلة صيغ منتهى الجموع التي لحقتها التاء المربوطة نحو: أساتذة، وعبادلة، وغيرها، وهي صيغ مصروفة عند علماء النحو؛ لأنّها لا تخضع لحدّ صيغ منتهى الجموع التي تمنع من الصرف. التعريف الثالث: وهذا التعريف شائع في مصنّفات المحدثين، وبعض المتقدّمين، وسنختار مجموعة منهم، الأوّل: أحمد المقري (ت 847ه) الذي عرّفها بأنّها «كلّ جمع ثالثه ألف بعده حرفان كمساجد، أو بعده ثلاثة أحرف أوسطها ساكن كمصابيح» (4)، الثاني: سعيد الأفغاني الذي عرّفها بأنها «كلّ جمع بعد ألف تكسيره حرفان أو ثلاثة أوسطها ساكن» (5)، الثالث: عبّاس حسن الذي عرّفها بأنّها «جمع التكسير المماثل لصيغة مفاعل ومفاعيل لكنّهم يريدون بالمماثلة أنّ الكلمة خماسية أو سداسية والحرف الأول مفتوح في الحالتين سواء أكان ميمًا أم غير ميم، وأنّ الثالث ألف زائدة يليها كسر الحرف الأول من حرفين بعدها أو من ثلاثة أحرف أوسطها ساكن» (6)، الرابع: إميل يعقوب الذي عرّفها بأنّها «كلّ جمع تكسير بعد ألف تكسيره حرفان أو ثلاثة أحرف ثانيهما ساكن» (7)، الخامس: عبدالعزيز سفر الذي عرّفها «بأنّها كلّ جمع تكسير بعد ألف تكسيره حرفان أو ثلاثة أحرف أوسطها ساكن» (8)، السادس: مصطفى الغلاييني الذي عرّفها بأنّها «كلّ جمع كان بعد ألف تكسيره حرفان أو ثلاثة أحرف وسطها ساكن» (9)، السابع: أحمد مختار عمر وزميلاه الذين عرّفوها بأنّها» كلّ جمع ثالثه ألف، وبعد الألف حرفان أولهما مكسور مثل: مساجِد وكتائِب أو ثلاثة أحرف أوسطها ساكن مثل: مصابيح وعناقيد» (10)، الثامن: عبده الراجحي الذي عرّفها بأنّها «كلّ جمع تكسير بعد ألف تكسيره حرفان أو ثلاثة أحرف، بشرط أن يكون الحرف الأوسط من هذه الثلاثة ساكنًا» (11)، التاسع: راجحي الأسمر الذي عرّفها بأنّها «كلّ جمع كان بعد ألف تكسيره حرفان أو ثلاثة أحرف ثانيهما ساكن» (12). ونَلحظ على جميع هذه التعريفات -رغم اختلافها في منطوقها- إغفالها أنّ الحرف الأوسط من الأحرف الثلاثة التي تلي ألف التكسير الزائدة يجب أن يكون ياء ساكنة، وهذا يجعل التعريفات السابقة غير دقيقة في تعبيرها عن الصيغة السداسيّة لصيغ منتهى الجموع (13). ولم أقف -بحسب اطّلاعي- على تعريف دقيق للصيغة السداسيّة من صيغ منتهى الجموع إلا عند عالم متقدّم وعالمينِ محدَثَينِ المتقدّم هو: ابن إياز (ت 681ه)، والمحدَثان هما: شوقي ضيف، وأبو أوس إبراهيم الشمسان، فابن إياز يعرّف صيغ منتهى الجموع بقوله: «المراد به أن يكون ثالث حروفه ألفًا وبعدها حرفان متحرّكان نحو: مساجد، أو ثلاثة أوسطها ياء نحو: محاريب، أو شدّة نحو: دوابّ»(14) نلحظ على تعريف ابن إياز أنه استوفى صور صيغ منتهى الجموع، وأضاف إلى التعريف المشهور ما كان بعد ألفه حرفٌ مضعّفٌ نحو: دوابّ، ولكن يُؤخَذ عليه أنّه لم يُشِرْ إلى وجوب سكون الياء في الصيغة السداسيّة. أمّا شوقي ضيف فيعرّفها بأنّها «كلّ جمع تكسير بعد أ لف تكسيره حرفان أو ثلاثة أحرف وسطها ياء ساكنة» (15)، وهذا التعريف نصّ على أنّ الحرف الأوسط من الثلاثة ياء ساكنة، وهذا موافق لأمثلة الصيغ السداسيّة لمنتهى الجموع نحو: مفاعيل، وفعاليل، وأفاعيل، وتفاعيل، وغيرها. أمّا أبو أوس إبراهيم الشمسان فإنّه يعرّف صيغة منتهى الجموع بقوله: «أهمّ ما يميّزه [منتهى الجموع] ألف الجمع التي يليها حرفان بينهما كسرة قصيرة أو كسرة طويلة (ياء مدّ)» (16)، ويتميّز تعريف أبي أوس إبراهيم الشمسان بأنّه تعريفٌ دقيقٌ نصّ على أنّ الحرف الأوسط من الأحرف الثلاثة كسرة طويلة أيْ: ياء مدّ ساكنة، ويتميّز أيضًا بأنّه تعريف ذو صبغة علميّة، وذلك واضح في استعمال المصطلحات الصوتيّة في صوغ التعريف نحو: كسرة قصيرة، وكسرة طويلة. ... ... ... (1) عبدالهادي الفضلي، خلاصة المنطق، ص37. (2) أبو إسحاق الزجاج، ما ينصرف وما لا ينصرف، تحقيق: هذى محمود قراعة، ص46. (3) محمد خير الحلواني، الواضح في علم الصرف، ص272. (4) أحمد المقري المغربي، كتاب التحفة المكّية في شرح الأرجوزة الألفية، تحقيق: جمال عمراوي الجزائري، ص526. (5) سعيد الأفغانيّ، الموجز في قواعد اللغة العربيّة، ص159. (6) عبّاس حسن، النحو الوافي، ج4، ص208. (7) إميل بديع يعقوب، الممنوع من الصرف بين مذاهب النحاة والواقع اللغويّ، ص54. (8) عبدالعزيز عليّ سفر، الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة، ص591. (9) مصطفى الغلاييني، جامع الدروس العربيّة، ج2، ص47. (10) أحمد مختار عمر وزميلاه، النحو الأساسيّ، ص56. (11) عبده الراجحي، التطبيق النحويّ، ص390. (12) راجحي الأسمر، المعجم المفصّل في علم الصرف، ص295. (13) أورد ابن منظور في لسان العرب في مادّة (ر/د/ب) الجمع أرادبّ لكلمة إِرْدَبّ، وهي كما في القاموس المحيط «مكيال ضخم بمصر، أو يضمّ أربعة وعشرين صاعًا أو ستّ ويبات»(الفيروز أبادي، القاموس المحيط، مادّة، (ر/د/ب)، ص629)، ولم أعثر على صيغة هذا الجمع فيما عُدتُ إليه من المعجمات اللغويّة الأخرى مثل: العين، ومقاييس اللغة، والقاموس المحيط، وتاج العروس. وقد علّق عباس حسن على جمع إردبّ، وقال ينبغي أن يكون أرادب أي: إنّه غير مشدّد الباء (عبّاس حسن، النحو الوافي، ج4، ص208، الحاشية الثالثة)، ويكون هذا الجمع خماسيّ الصيغة؛ ليستقيم مع تعريف صيغة منتهى الجموع التي تنصّ على أنّ بعد الألف حرفين أو ثلاثة أوسطها ياء ساكنة. (14) الحسين بن إياز النحوي، قواعد المطارحة، تحقيق: عبدالله بن عمر الحاج إبراهيم، ص22. (15) شوقي ضيف، تجديد النحو، ص223. (16) أبو أوس إبراهيم الشمسان، دروس في علم الصرف ج2، ص40. ** **