عيناهُ ترمقُ يومًا من الشّعرى في قفار التيه، (له عَبس عاف من الغسلِ مّحَولُ) قامته كرمح مرهف في الليل، يصغي لانتحاب الريح في البيداء. يتشممُ الأمطار من حزن الغيوم الراحلة، يجلسُ في طريق الموت، فؤادٌ مشيع والثأر يغلي في دمه، يتقهقرُ الشعراء عن لاميته، يستقرئ الشمس التي تغفو مساءً فوق بيداء السماء المائلة. يتأمل القمر المسافر حين يمخرُ بالحنين، سكينة النسيان، يجادلُ الأمية العصماء عما يجعلُ المعنى رؤى مذروفة العبرات، والأشعار حزن في قواميس البكاء. هو دمعة الأحزان في حدقِ الرؤى والحادي مع الركبان والأراوي الصّحْمُ، حتى أصبحت كلماته لاميّة العرب القديمة، ومعلقة الحداء سيغيبُ قرص الشمس محمولاً على شفق الرثاء وفي جوف المجرات البعيدة وتظل وحدك يا شنفرى في بوادي العمر، تبحث عن ثأرك المنسي في جوف المدى، كذئب كئيب في العراء، وعلى تلال الليل يجلسُ ناظراً، في سحنة الأبعاد علّ طيوفها تأتي إليه، لكن شيئاً كاشتياق الموت يدفعه ليبلغ بطشه الممتد في الصحراء ليكشف صدره العاري الأمطار الرماح، ولا إجابة عن سؤال الموت فوق أطلال الجماجم، لكن شيئاً من التكفير عن ذنب قديم مات مرتكبوه والبحث عن تغريبة الموتى كصبار الصحاري المر أبدًا يراكض ما توحش من سأمته، لكنه الشفق الذي انحسرت قامته. خلف أطلال وبيد، لم يُكمل الحُلم العصى على البشر أبدًا تضاعف بأسهُ الممتد، وهو يجول في تلك الفيافي، فوق كتفيه نشابٌ ونبلٌ، باحثاً عن موتوريه حول نبع الموت الذي اغتسل منه أول مرة، ثم استحال إلى سراب زائل في لجة العمر الحزين. ** **