«الريت REIT» أو الصندوق العقاري المتداول، هو أداة لتوفير السيولة في السوق العقارية، (أي كحل لجمود السيولة في العقار) مما سيؤدي - بالجملة لدعم أسعار العقار. فهي أداة لا تصلح في الأسواق التي تعاني أزمة سكن، لأنها سترفع الطلب الاستثماري غير الإنتاجي، كما أنها قد تسحب السيولة العقارية اللازمة لتطوير العقار، فتوجهها لاستثمارات أخرى. وقد جذب انتباهي، حصول بعض الصناديق العقارية -عندنا-، على تمويلات، تبلغ نسبتها أحيانًا إلى 45 في المائة من رأس مال الصندوق. والتمويل أمر طبيعي في الأسواق المتقدمة، لكنه لا يتماشى مع ثقافة بنوكنا في عدم التمويل إلا برهون شخصية وقيمية تتجاوز المشروع المُمول، مما لا يتوفر في الصناديق العقارية المتداولة. كما أن هناك أمراً آخر يثير الشك. فقد وجدت أن الفوائد على التمويلات أقل من الأجور التي يأخذها مديرو الصندوق (والمبالغ فيها كثيراً). فدفعني هذان الأمران للنظر في الموضوع، وأظنني والله اعلم، أني وجدت السبب. وسأقدم للموضوع بشرح عمل التمويل (الرافعة المالية) في رفع عوائد الملاك، الذين هم هنا، حملة أسهم الريت. فواقع الأمر أن الممول شريك في المشروع، لكنه شريك محدود الربح، بنسبة ثابتة. ومحدودية ربحه هي مقابل ثبات الربح، وتأخير خسارته عن الملاك، في حال خسارة المشروع. فالممول بهذا الترتيب، يتحمل مخاطرة أقل من الملاك، الذين أسهموا في رأس المال، والذين يتمتعون بربح لا محدود، كما أنهم يُقدمون في حال الخسارة عن المُمول. وبما أن المُمول يتحمل مخاطرة أقل من المالك، فإن من المنطقي أن تكون نسبة عوائده أقل من نسبة عوائد الملاك المُفترضة. وبما أن العائد المُفترض على المشروع ثابت، وأحد الشريكين وهو المُمول يأخذ عائدًا أقل كونه أقل مخاطرة من شريكه الآخر، فلا بد أن يكون عائد المشروع أكثر من ضعف عائد المُمول، ليبقى للمالك عائدًا أكبر من عائد المُمول. فمثلاً كلفة المشروع العقاري تبلغ 100 ألف ريال، دفع الملاك 50 ألفًا، وتمولوا 50 ألفًا أخرى بفائدة مقدارها 5 في المائة، بينما العائد المُفترض من الإيجارات ونحوها، مُتوقع أن يبلغ 10 في المائة، أي مبلغ 10 آلاف ريال. فلو لم يكن هناك تمويل، فعائد الملاك سيكون هو نفسه عائد المشروع، أي 10 في المائة. ولكن بما أن هناك تمويلاً لنصف كلفة المشروع، بفائدة 5 في المائة، فسيُقسم للمُمول حقه أولا، أي 2500 ريال. (2500 على 50 ألفاً = 5 في المائة). إذا فقد بقى من الإيجارات للمُلاك 7500 ريال، وهم قد استثمروا مبلغ 50 ألفًا، فعائد الملاك إذا 15 في المائة. فهذا أفضل لهم من 10 في المائة فقط التي كانوا سيتحصلون عليها لو أنهم لم يأخذوا تمويلاً. إذا فكلما زدنا نسبة التمول، زاد عائد الملاك. فمثلاً، لو جربنا على نفس المثال السابق، لكن رفعنا نسبة التمويل إلى 75 في المائة من قيمة المشروع، أي تمولنا 75 ألف ريال. إذا فسنقسم للبنك حقه من العشرة الألف وهو 5 في المائة من 75 ألفا أي 3750 ريالاً. وعلى هذا سيبقى 6250 ريالاً من الدخل للملاك، وعلى استثمارهم البالغ 25 ألفًا فقط، إذا سيرتفع عائدهم إلى 25 في المائة. وهكذا، فلو استثمر الملاك ريالا واحدا فقط، وتمولوا الباقي، لزاد العائد لأكثر من نصف مليون في المائة. فمتى فهمنا عمل التمويل -الرافعة المالية- في رفع عائد الملاك، اتضح لنا بصورة لا يتطرق إليها الشك، بأن عوائد بعض الصناديق العقارية عندنا، لم تُوضح غالبًا العوائد الإضافية التي تحصلت بسبب التمويل، فلم تدخلها ضمن عوائد المساهمين. وهذا يشرح سبب التنامي الطفيف للعوائد وثباته، رغم انخفاض الإيجارات غالبًا. ورغم أن أجور الصناديق تصل غالبًا في سنة التأسيس إلى 45 في المائة من الإيجارات، وبعد ذلك، في السنوات اللاحقة، تقتطع الصناديق نحو 30 في المائة من الإيجارات، هذا غير تكاليف إدارة الممتلكات. فخلاصة القول: إن عوائد التمويلات في بعض الصناديق لم تُوضح للمساهمين، وهذا تدليس غرضه -والله أعلم- إخفاء وقع أثر حجم الرسوم التي تتحصل عليها إدارة الصندوق. والسبب الذي أمكنهم من فعل هذا، هو أن الصناديق عندنا - حسب النماذج التي رأيت- لا يتبعون الترتيب العالمي في اقتطاع التكاليف من الدخل. فهم يعلنون عن نسبة عوائد الصندوق قبل اقتطاع أجور الصندوق رغم أنها قد تصل لثلث الدخل. وترى السوق وهي تشيد بثبات أو نمو عوائد الصناديق، دون أن يدركوا أنه بسبب الرافعة المالية. والهواة في تويتر وغيره، يحللون هذه الزيادات بأمور غريبة مضحكة. كنسبتها لإعادة قيم تكاليف إطفاء الاستهلاك! فيشوشون على الناس فلا ينتبهون لغرابة النتائج،. ولا لغياب عوائد التمويل، ولا لضخامة أجور الصناديق التي تبلغ أضعاف أجور الصناديق العالمية، فالله المستعان.