مذ حكايتي الثالثة معك يا إبراهيم في الثامن من صفر 1441 حين كان فقدك رطبا:.. تعيث نواهش الحزن في تفاصيلي الدفينة, تتسرب معها لفضاء النور حرات الدمع, والآهة, ولواعج الذي لا أقوى على امتلاكه في يدي إذ لن تعود, لن تأتي بقدميك... لن آتيك محملة بقوة لا أعهدها, فأمسك بيديك, وتقف معي, ونخرج لساحة الدار, نتأمل السنديانة, وحلو التفاح, وخضرة العشب تمسح بنعيمها على سطوح الأرض فتكبر في عيوننا, وتمتد ليصبح فضاء بيتنا جنة عرضها قلبك, وطولها مداك, هواؤها العليل أنفاسك, وشمسها الوضيئة جبهتك يا إبراهيم.. لن أجد جسدك الفاره, ويدك الدافئة, وعينك المشعة, وكلامك الأسفار, وصوتك المحضن, وقربك الكساء, والوسادة, والسقيا, والزاد.. لن أجدك بوصلة لأفكاري حين اضطراب, وعصا لشتاتي حين تيه, ومصباحا لليلي, وقبطانا لسفينتي, ومنجما لأسئلتي, ونهرا لمشاعري, وبئرا لدموعي, وكتابا لعمري؛ .... الدليل, والمرشد, والنور, والوجهة, والمرفأ, والإجابات, والجذوة, والراحة, والرواء, والاكتفاء... لن تكون هنا في الدار حين آتي, لن أجدك على مقعدك الوثير, فأتقرفص تحت قدميك لأنهل, لن أجدك يا إبراهيم .. عرفت الجمال في ملامحك, وأدركت الوفاء في مواقفك, وتعلمت الصدق في مبدئك, وشربت القيم في ثباتك, وهويت الكدّ من دأبك, ورضيت بالكفاية من زهدك, وحملت على القدرة باتباعك.. ذهبتَ ولم تأخذ شيئا مما أعطيت.. تركت إرثك هنا.. لا زال الغراس الأخضر ندياً يكحل عيوننا بنداك.. لا زالت السنديانة تغمر الحائط تحفظ ظلك الأمين, فنحتمي بها من هجير الغربة دونك.. لا زال مقعدك كلما تحرك تضوعت كلماتك ترن في القلب تطمئننا بلقاء.. أنت هنا, لا زلتَ بوتقة تمدنا بالحياة مع اللمحة, والحركة, والصوت, أنت هنا, عبق عطرك عالق فينا حيث ننادَى, تبوح شجرتك بشذاك يا إبراهيم.. فانعم في كنف رحمة ربنا الملاذ حتى حكاية أخرى معك..