تشهد أسواق المواشي الحية في السعودية حالياً موجة ارتفاع حاد في الأسعار تجاوز مداها حتى اليوم حاجز ال50 % ولا تزال مستمرة في الصعود، وذلك بسبب نقص المعروض في السوق بعدما تم إيقاف استيراد المواشي الحية من دول القرن الإفريقي قبل نحو ثلاثة أشهر. وأكد ل«الجزيرة» عدد من باعة المواشي في الرياض، أنه منذ وقف استيراد المواشي الحية من السودان وجيبوتي في أكتوبر الماضي والتي كانت تغذي نحو 70 % من استهلاك السوق والأسعار في ارتفاع، خاصة بعد أن بدأت تنفذ الكميات التي كانت موجودة في السوق سابقاً وأصبح التركيز الشرائي على المواشي المحلية والتي هي أصلاً تعاني من نقص بالمعروض منذ تاريخها. ورصدت جولة ل«الجزيرة» في أسواق المواشي في الرياض حدوث ارتفاع في الأسعار، وصل معها متوسط سعر الضأن النعيمي للرأس الواحد 1500 ريال بعدما كان يباع ب1000 ريال كحد أقصى، فيما وصل سعر الضأن الحري إلى 1200 ريال بدلاً من 800 ريال، فيما حلق سعر الضأن النجدي إلى 1700 ريال مسجلاً أعلى سعر له بسبب ندرته العالية بحسب متعاملين بالسوق. وكانت وزارة البيئة والمياه والزراعة قد أعلنت تعليق واردات المملكة من المواشي الحية من السودان، بعد إعلان المنظمة العالمية للصحة الحيوانية ظهور إصابات بمرض حمى الوادي المتصدع (RVF) في السودان، إضافة إلى تعليق استيراد المواشي الحية من جيبوتي كإجراءات احترازية. الأغنام الإفريقية وتبين خلال الجولة التي شملت ثلاثة أسواق للمواشي: العزيزية، السعادة، والنظيم أن أسعار ما تبقى من الأغنام الإفريقية التي تم استيرادها منذ مطلع العام الجاري -أي قبل الحظر- ارتفعت هي أيضاً بنسبة 100 % حيث تم بيع «البربري» الصومالي ب 650 ريال بعدما كان سعره لا يتجاوز ال350 ريال، وكذلك «السواكني» السوداني ب950 ريال بعدما كان سعره لا يتجاوز ال500 ريال، والرفيدي الأثيوبي ب650 ريال، والخروف الروماني ب900 ريال بحسب الوزن. وتحظى هذه النوعية من المواشي الإفريقية بإقبال كبير من أغلبية المطاعم ومحلات الملاحم، حيث كانت المملكة تستورد من دول القرن الإفريقي ما لا يقل عن خمسة ملايين رأس من المواشي الحية، وهو ما يشكل 70 % من حاجة السوق السعودية. عودة الاستيراد وتحدث سعود الحميد -أحد بائعي المواشي- بالقول إن ارتفاع أسعار الذبائح خلال الفترة الأخيرة جاء بسبب وقف الاستيراد الذي يقابله ضعف في الإنتاج المحلي، واتجاه معظم المطاعم الكبرى ومقدمي الولائم وأصحاب الملاحم إلى منافسة المواطنين على شراء المواشي المحلية من السوق بعدما تعذر عليهم تغطية حاجتهم من الأغنام المستوردة كما كان عليه في السابق. الأسعار في صعود وتوقع الحميد استمرار مسلسل ارتفاع أسعار المواشي الحية في السوق المحلية، ولم يستبعد أن تحدث حالة ركود في سوق المواشي وأن تتجه المطاعم والملاحم إلى رفع أسعار الوجبات وتكاليف الولائم خلال الأشهر القليلة المقبلة في حالة استمرار الوضع على ما هو عليه حالياً، خاصة إذ ما علمنا أن متوسط استهلاك مطعم وأحد من كبرى مطاعم الكبسة وتقديم الولائم الموجودة في السعودية يتجاوز ال250 رأس يوميًا. السوق شبه خالٍ واعتبر حمود المطيري -بائع مواشٍ- أن عودة الاستيراد أحد أهم المحركات الرئيسة لاستقرار أسعار المواشي الأغنام والأبقار والجمال دون استثناء وعودتها إلى طبيعتها سابقًا، مؤكداً أن أسعار المواشي حالياً مرتفعة جدًا. وقال: «هناك طلب كبير على «الحلال» لكن السوق شبه خالٍ ونحن نشتري المواشي من التجار بأسعار مرتفعة وبيعها بربح، لا يعقل أن نبيع دون فائدة». الضحية المواطن وفيما سادت حالة من الغضب بين مرتادي سوق المواشي في وسط الرياض، لم يستبعد خالد الخلف (مواطن) حضر إلى السوق لشراء ذبيحة من أن يكون هناك من يستفيد من وقف الاستيراد كي يتم رفع أسعار المواشي في السوق المحلية وتحقيق أرباح مضاعفة، والضحية المواطن المستهلك، مطالبًا بتدخل الجهات المعنية لإيجاد حل لهذه الأزمة. كبيرة السن والوزن وأبدا ثامر القاسم الذي حضر إلى السوق لشراء ذبيحة لضيوفه استياءه من ارتفاع الأسعار، مؤكداً أنه سيعود أدراجه دون ذلك بسبب الغلاء، مشيراً إلى أنه سوف يتجه لأحد محلات الملاحم للشراء بالكيلو لعدم قدرته على شراء ذبيحة كاملة من السوق بسبب الأسعار الذي وصفها ب«النار». ولفت القاسم إلى ما اعتبره تحايلاً على المستهلك حتى من قبل بعض العاملين في الملاحم، إذ إنه مع تفاقم الوضع الحالي المتمثل في نقص المعروض وارتفاع الأسعار هناك من يشتري (ضأن وعجول) من الإناث والكبيرة في السن والوزن وبعد ذبحها وتقطيعها يتم بيعها على المستهلك على أنها صغيرة وجاء بها من البر!! وتابع: «لا نجد لتلك اللحوم قبولاً من بعد شرائها لأول مرة كونها فاقدة للطعم وتحتاج إلى فترة أطول للطهي». مطالب بالحل وفي السياق ذاته أتفق تجار المواشي، على مطالبة وزارة البيئة والمياه والزراعة بتوسيع خيارات استيراد المواشي الحية لتغطية النقص الحاصل في السوق المحلية، باعتباره هو السبيل الوحيد لكبح جماح ارتفاع أسعارها. وعاد سعود الحميد تاجر مواشٍ للحديث عن الأغنام الإفريقية التي شبهها ب«الجوكر» كونها تخلق نوعًا من التوازن في أسعار المواشي الحية في السعودية على اعتبار أن توافرها في السوق يقلل ضغط الطلب على المواشي المحلية، كما أنه اعتبر أسعارها منافسة جدًا، إذ لا تتجاوز قيمة الرأس الواحدة من الأغنام الإفريقية ال300 ريال مقارنة بالأغنام المحلية. حل جذري يحمي المستهلك كما بيَّن عطالله الرشيدي -بائع مواشٍ- أن المواشي الإفريقية تتميز بقرب مستواها من الإنتاج المحلي، لذا فهي من البدائل التي يمكن أن تسهم في سد النقص الحاصل في السوق المحلية والسيطرة على الأسعار، إلى جانب أنها تحتل مكانة متقدمة على مائدة أصحاب الفنادق والمطاعم في جميع المناطق. وطالب باعة المواشي الجهات المعنية بضرورة إيجاد حل جذري وتحرك إستراتيجي ينقذ الوضع برمته ويحمي المستهلك من هذا الغلاء الذي تسبب أيضاً في عزوف الكثير عن الشراء، مؤملين أن تتحرك وزارة البيئة والمياه والزراعة في معالجة مشكلة وقف الاستيراد والعمل على استيراد مواشٍ بطرق آمنة ومدروسة كما كان عليه الوضع خلال السنوات السابقة.