كثير من الشباب العرب، وبالذات في دول الخليج، يعنون بالمظهر حتى لو كان على حساب إمكاناتهم وقدراتهم المالية، فيتهافت البعض على القروض البنكية لشراء سلع استهلاكية لا تلبث أن تتناقص قيمتها المقدرة بعد سنوات من الاستهلاك، ودون أن يفكر بعضهم بالمستقبل، أو يدرك مفاهيم الصرف والاستثمار، فضلاً عن مفهوم الادخار، على عكس الوعي في الدول المتقدمة التي ينظر سكانها إلى الصرف بتعقل، والاستثمار، والادخار من دخولهم الشهرية حتى لو كان هذا الدخل قليلاً، فقليل دائم خير من كثير متقطع، وهو ما يفعله أصدقاء أجانب عرفتهم خلال دراستي أواخر التسعينات، إي يفتحون حسابات بنكية ادخارية تحسبًا لظروف المستقبل الغامض. ولعل الوعي لدى شبابنا، وحالة اللهاث العجيبة نحو الكسب السريع، هي ما يجعل هؤلاء يحسبون الإجمالي السنوي عند ادخار 20 بالمئة مثلاً من دخلوهم الشهرية، ويجدون أن هذا المبلغ لا يستحق ما يسمونه «التقتير» على أنفسهم، وهذا مفهوم خاطئ، ليس عليهم تصويبه من السلوك الغربي، أو النظريات الاقتصادية الراهنة، وإنما من أجدادهم الذين يمتلكون وعيًا اقتصاديًا عميقًا، إذا يقول أحد الشعراء، في تلخيص نظرية اقتصادية للتصرف مع الدخل: ثلث المكدّة حطَّها في بعارين/ وثلث تخرّج منه واضبط حسابه/ والثلث الآخر صك دونه كوالين/ يجري على المخلوق شيء ماهقابه. فالجمال هي استثمار مهم في الماضي، ولها الثلث، وثلث للصرف اليومي، ولا بد من ضبط الصرف كي لا ينتهي هذا الثلث قبل الظفر بدخل جديد، أما الثلث الأخير فهو للادخار والحفظ لمستقبل لا يمكن التنبؤ به. هكذا كان أجدادنا يصرفون أموالهم بوعي وحكمة، وعلينا أن نتعلم منهم، ومن النظريات الحديثة والأفكار الجديدة، التي تسهم في وضع آلية تعامل جيدة مع الدخل.