تتجه أنظار العالم كل عام لخطاب الملك في أية مناسبة وطنية أو دولية، لكن خطابه السنوي في افتتاح دورة أعمال مجلس الشورى السعودي يُعد وثيقة لمواصلة مسيرة الإصلاح التنموي بالبلاد لشعبه، وتقديم الرؤية السياسية للقضايا الداخلية والخارجية كافة، وموقف القيادة منها.. بل يعد تشريف الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- للمجلس شرفًا كبيرًا للأعضاء، وتقليدًا برلمانيًّا أصيلاً، يلقي عليهم مسؤولية جسيمة، تتطلب منهم مضاعفة الجهد، وحُسن أداء التكليف والأمانة التي على عواتقهم، إيمانًا منه بأهمية ترسيخ نهج الشورى الذي عُرفت به هذه البلاد المباركة منذ توحيدها على يد الملك المؤسس المغفور له -بإذن الله- عبدالعزيز آل سعود لانطلاق عهد جديد للشورى، يتماهى مع الوثبة الطموحة التي يقودها ملك التجديد الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، بما يتسق مع الهيكلة والإصلاحات التي طالت الأجهزة الحكومية، ويتناغم مع ما استُحدث من مجالس إشرافية وتنفيذية، ومن أجهزة رقابية جديدة، تتويجًا لخبرات وتجارب المجلس التراكمية خلال العقود الماضية. إنَّ واجب مجلس الشورى يوازي حراك القيادة الحكيمة بالمثابرة في حزمها وعزمها، بما يتفق مع معطيات ومتطلبات عصر الإنجاز والحزم والعزم، وترقبهم قرارات محاسبيه، مرتكزها تحقيق خدمة ورفاهية المواطن، والحفاظ على اللحمة الوطنية، والتنمية المتوازنة، وتقييم المرحلة السابقة، واستشراف المستقبل، والاستمرار على منهج المملكة السياسي المتزن الذي يجسد دورها ومكانتها المرموقة إقليميًّا ودوليًّا لدعم الاستقرار الأمني والاقتصادي، وتعزيز الحراك التطويري الكبير الذي تشهده هياكل أجهزة الدولة المختلفة، ومراجعة أنظمتها ولوائحها ومجالسها للرفع من فاعلية الأداء، ودفع وتيرة الإنجاز نحو مستقبل أكثر إشراقًا للوطن والمواطن من خلال ما تضمنته رؤية المملكة وخطة التحول الوطني. إن المضامين السامية للخطاب الملكي تجعل الجميع يحرص على الاستنارة بها، وبما تمرُّ المملكة به من منعطف مهم في تاريخها، تستشرف من خلاله آفاق التحديث والتطوير على ضوء رؤيتها للحفاظ على مخرجات التنمية بجميع جوانبها، والحرص على الاستثمار في أنحاء هذا الوطن، والتوسع المدروس في توظيف الشباب المؤهل؛ لتشمل السعودة جميع القطاعات الحيوية، وأيضًا توفير البيئة والمناخ المناسب لرفع المستوى المعيشي للمواطنين، وجعلهم ركنًا أساسيًّا في مسيرة التنمية المستدامة، وتحقيق المزيد من الانفتاح الإيجابي على العالم الخارجي، والاستفادة من ثورة التقنية التي عمّت العالم كله، ورفع مهارات وقدرات الشباب السعودي حتى يمكنه المنافسة بقوة في سوق العمل، وتسلم راية الإنجاز في بلادنا، بما يدعم مواقف المملكة، ويسهم في تعزيز العلاقات وتقويتها بين المملكة والدول الشقيقة والصديقة، بردع الأصوات الناعقة التي تحاول النيل منها، وبالتصدي لأشكال العدوان والميليشيات الانقلابية كافة المدعومة من إيران بؤرة الصديد في جسد الوطن العربي بتدخلاتها.. حتى أنه لم يترك الخطاب شأنًا من شؤون الداخل أو الخارج إلا تطرق إليها. لكن أكثر ما لفت نظري في الخطاب الرمزية في تناوله للقضايا الداخلية، وإنجازاتها في الخدمات المتنوعة، والقضايا الخارجية من اعتداءات إرهابية إيرانية، وتدخلاتها في المنطقة، خاصة المملكة التي تعرضت للاعتداءات ب286 صاروخًا باليستيًّا، و289 طائرة مسيّرة، ونحن آمنون -ولله الحمد-. والفضل بعد الله يعود لقواتنا المسلحة، وتعاضد الجميع، مفتخرين بشهداء الواجب والمصابين الذين ضربوا أروع الأمثلة في التضحية والفداء من أجل العقيدة والوطن. مشددًا على أن أسرهم ستظل دومًا موضع عناية واهتمام. نظرة: يجب أن يكون أعضاء المجلس بمنزلة مرآة، تعكس نبض مجتمعهم، وتنقل أصواتهم للقيادة، لاستكمال النهضة التشريعية المميزة التي تشهدها المملكة، التي ترمي إلى حوكمة الأداء، والإسهام الفاعل في التصدي لآفة الفساد المالي والإداري، مع مواصلة الدعم للقطاع الخاص والمجتمع، وتمكينهما كشريك فاعل في التنمية عبر كثير من أطروحات الحكومة، كطرح جزء من أسهم «أرامكو» للاكتتاب العام، وإتاحة الفرص للمستثمرين للمساهمة في هذه الشركة الرائدة التي تجلب الاستثمارات، وخلق آلاف الوظائف؛ وهو ما سيُحدث نقلة نوعية.. كل هذه الأدوار الرائدة تدركها رئاسة المجلس الحكيمة، وتعمل على تحقيقها. ولنحمد الله على ما تحقق من إنجازات تنموية ضخمة في عهده -أطال الله عمره-.