اسمي أبيض.. قد أكون الأخير من نوعي.. أعتقد أنه لم يعد هناك من يستخدمني منذ اختراع المناديل الورقية.. ربما بقيت بعض الأنواع الحريرية الملونة التي توضع في جيوب السترات الرسمية للزينة.. لكن النوع الكتاني الأبيض الذي انتمي إليه أصبح نادر الوجود.. أنا مربع.. ناعم الملمس... على أطرافي حيك حرف الميم بشكل أنيق.. ولون أزرق ندي كلون السماء بعد المطر.. وبالطبع.. لوني أبيض. تقابلنا لأول مرة في حفل مولده الرابع عشر.. لمعت عيناه دهشة حين رآني.. «ماما.. من يحمل منديلاً للجيب هذه الأيام!» ومع ذلك فقد وقع في حبي حالما لمستني أصابعه.. عندما أخرجني من علبتي الفاخرة.. تحسسني قليلاً ثم رفعني إلى أنفه واستنشق رائحتي مغمض العينين.. رائحة أمه.. منذ تلك اللحظة لم نفترق أبدًا. كنت معه حين وقف منتظرًا نتائج شهادة الثانوية العامة ويده تقبض على بقوة داخل جيبه.. بعدها بدقائق قليلة.. أخرجني ومسح جبهته السعيدة. كنت معه طوال أيام الغربة التي قضاها بعيدًا عن أمه.. كم سهرت داخل صفحات كتبه.. وأنا الذي مسح بي الدمعة المبتهجة التي جرت على خدها يوم تخرجه. لم أتخلَّ عنه يوم وفاة والده.. حاولت أن أعزيه برائحتي عندنا غطى وجهه بي رافضًا أن يراه أحد. عشت معه الحب الأول... والخذلان الأول. لوح بي في الهواء وهو يرقص في حفل زفاف شقيقته.. وملامحه تشي بفرحة يشوبها خوفه عليها. لا أنسى يوم تركني على مكتبه وحدي.. وعاد إلى العمل في منتصف الليل حتى يستعيدني.. منظره المضحك وهو يحاول أن يشرح لرجل الأمن ضرورة دخوله إلى مبنى الشركة كان يصلح أن يكون مشهدًا في فيلم كوميدي. كنت أعرف مزاجه من طريقته في الإمساك بي.. إذا كان متوترًا جعدني في كفه.. ويطويني إلى مربع صغير مرات ومرات إذا كان يفكر.. لم يبهت بياضي يومًا.. ولم تغادرني تلك الرائحة المميزة التي سحرته منذ يومنا الأول.. وظل حرفه زاهيًا على أطرافي. اليوم.. كان يجلس أمامها... مرتبكًا.. لامع العينين... أخرجني من جيبه بهدوء.. وأخرج معي قلمه الأحمر.. خط على سطحي كلمة واحدة.. أنبتت في قلبي زهرة صغيرة. ناولني لها وهمس.. «ليكن دومًا.. معكِ». ** **