زود الأستاذ عبدالرحمن المقيطيف صفحة وراق الجزيرة بصورة وثيقة وطنية نادرة يعود تاريخها لأكثر من مئة عام منذ عام 1336ه، وقال الباحث المقيطيف إن محافظة بيشة من أوائل المناطق السعودية التي استبسلت في سبيل توحيد الجزيرة مع موحّد أرضها، ومُرسي قواعد أمنها، وباني عزّها ومجدها، الإمام عبد العزيز -طيب الله ثراه- ثمّة هناك إشارات لمواقف قبائل بيشة المُشرِّفة ومدى ما يحملونه من أمانة وصدق في الولاء لولاة أمر بلادنا -حفظهم الله- متأسين بقول النبي صلى الله عليه وسلم (من دعا إلى هُدى كان له من الأجر مثل أجورِ من اتّبَعه من غير أن يُنقص من أجورهم شيئاً... الحديث)، وعودا إلى الوثيقة حيث يبدو جَليّاً في خطاب الإمام عبد العزيز -طيب الله ثراه- للشيخ المقيطيف -يرحمه الله- أحد مشايخ بيشة وهو الشيخ ناصر بن فائز بن تميم بن منيس المقيطيف الجهمي. في خطاب يُعد من أطول وأهم الخطابات الرسمية نقتطف جزءًا مما ورد فيه: (من عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل إلى جناب المكرم الأحشم ناصر بن فايز المقيطيف وجماعته السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بموجب الخط إبلاغكم السلام والسؤال عن أحوالكم ونحن الحمد لله بخير وعافية قال سبحانه وتعالى، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} يعبدون يوحّدون والتوحيد هو إفراد الله بالعبادة والتبريء مما يعد سواه فلما رأينا ما منَّ الله به على المسلمين من تجديد هذه الدعوة ودخولهم في دين الله أفواجا وبلغنا خبر محبتكم للخير فحمدنا الله على ذلك لأنكم من أعز طوارفنا وأهلاً لذلك لأنكم من قام في هذا وقت الشيخ محمد بن عبدالوهاب ومساعدة أوائلنا نرجو الله أن يتغمدهم برحمته...). فهذه الرسالة التي تعكس الهدف الأسمى الذي يصبو إليه القائد المحنك الإمام عبدالعزيز والذي يمثّل القاعدة الرئيسة التي ينطلق منها ويقيم دعوته عليها وهي دعوة الناس إلى دين الله القويم وهو الذي قام به المجدد الشيخ محمد بن عبدالوهاب -يرحمه الله- فلما رأى الإمام عبدالعزيز ما آلت إليه أحوال الناس من ظهور البدع وتفشي الخرافات وحتى لا يكونوا في جاهلية جهلاء من أمر دينهم ودنياهم ولعناية الإمام عبدالعزيز ومعرفته التامة بمشايخ القبائل ومكانتهم الاجتماعية لذلك عزم على إرسال الدُّعاة والمرشدين الدينيين لهم لاستقبالهم ومساعدتهم الشيخ المقيطيف أُنمُوذجاً فأرسل له الشيخان عبدالرحمن بن داوود وعثمان بن سليمان -ويبدو أن ذلك قبل تنصيب ابن ثنيان أميراً على بيشة- فالأول هو الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن حمد آل داوود من المخضبة بني هاجر, قاضي الخُرْمة وأول أئمة المسجد الحرام في العهد السعودي، ترجم له ابن بسّام في كتابه عُلماء نجد، وابن حمدان في كتابه متأخري الحنابلة، ولد ونشأ في مدينة الرياض عام 1300ه فحفظ القرآن على يد الشيخ عبدالله بن مفيريج وهو لم يتجاوز سن الحادية عشرة من عمره مات -يرحمه الله- سنة 1355ه، من أبنائه الأستاذ إبراهيم بن عبدالرحمن آل داوود مدير المكتب الخاص لسمو وزير الداخلية السابق الأمير أحمد بن عبدالعزيز. والآخر هو الشيخ عثمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان بن جبير المطرفي الهُذلي من أسرة السليمان إحدى الأسر العريقة في محافظة المجمعة، كان يُعرف -يرحمه الله- بالحافظ الواعظ ولد سنة 1285ه تقريباً بالمجمعة وتوفي سنة 1363ه، ومن أحفاده الأستاذ الباحث محمد بن أحمد بن عثمان السليمان المدير العام للثقافة والنشر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً، وشقيقه المهندس عثمان بن أحمد بن عثمان السليمان صاحب المركز المعماري للاستشارات الهندسية بالرياض. ومما جاء في خطاب الإمام عبدالعزيز قوله: (فوجب علينا أن نبعث إليكم من يعلمكم أمر دينه ودعت إليه الرسل ونزلت به الكتب وكان عليه السلف الصالح من أئمة هذا الدين... فبموجب معرفتنا بكم وحرصكم على الخير وعلى تعلم دين الله عمّدنا لكم عبدالرحمن بن داوود وعثمان بن سليمان وإن شاء الله بهم بركة وقصدنا بإرسالهم شفقة عليكم وإقامة الحجة من الله ثم منا على من خالف دين الله لأنا بحول الله جازمين على الجهاد في سبيل الله معادين من عادى دين الله نرجو أن الله ينصر دينه ويعلي كلمته ويجعلنا وإياكم من أنصار دينه وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم 20 شوال 1336ه). ختامًا آمل أن يستفيد الأبناء والأحفاد والأجيال اللاحقة من هذه الصورة المشرفة لأسلافهم فيسيروا على دربهم ويدافعوا عن عقيدتهم ووطنهم اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك.