وجدنا أنه ينبغي علينا التوقف أمام شهادة تجب ما سواها من الشهادات، وهي بمثابة تتويج لمسيرة الشيخ حمد العطرة وسيرته المباركة، إنها شهادة المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود التي نحاول في الأسطر الآتية أن نستنبطها من عدد من رسائل المؤسس للراحل الكبير: المكرم الأحشم «من عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل إلى جناب الأخ المكرم الأحشم عبدالمحسن بن محمد التويجري سلمه الله تعالى آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته على الدوام مع السؤال عن أحوالكم، أحوالنا بحمد الله جميلة، والخط المكرم وصل وما عرفته كان معلوماً. أما من طرف ربع زكاة المجمعة فيخرج من زايد الزكاة من الذي لنا والذي للعسكر إلا بيت المال ما يؤخذ منه شيء، وإلا الربع حيز البلدان واحد، ومن طرف نقص الداخل عن الخارج هذا من الله ولا حنا غارمينه. القائمة اعملوا فيها مثل ما ذكرنا لكم سابقاً الذي فيها من أهل الربع يعطون من الربع والباقي راوز عليهم وما نقص ينقصون على قدره، إلا الخراص مثل الشيخ بن سالم ويعقوب وبن مثيب وبن غيلان وبن زاحم ومطوع. - في هذه الرسالة نقرأ امتداد الثقة بالشيخ عبدالمحسن من الإمام عبدالرحمن الفيصل آل سعود، إلى ابنه عبدالعزيز الذي أبقى الشيخ عبدالمحسن على بيت مال المجمعة وعموم سدير. ونقرأ أيضاً في هذه الوثيقة أن التقدير والاحترام الذي كان يحظى به الشيخ عبدالمحسن من الإمام عبدالرحمن بقي هو هو، لم يتغير في عهد ولده الملك عبدالعزيز، نجد ذلك في تصدير الملك عبدالعزيز الرسالة باللغة نفسها المحملة بعبارات التقدير على غرار (جناب الأخ المكرم الأحشم عبدالمحسن...)، وأيضاً بعبارات الود التي تعكس العلاقة الطيبة مع المؤسس، على غرار (سلام عليكم ورحمة الله وبركاته على الدوام مع السؤال عن أحوالكم، أحوالنا بحمد الله جميلة)، ما يعكس تلك الرابطة العميقة التي لم تهتز بين عهدين كبيرين من عهود الدولة السعودية ثانيهما أبهى عهودها، عهد المؤسس -طيب الله ثراه-. وثم فائدة أخرى بوسعنا الخروج بها من هذه الرسالة (الوثيقة) المهمة من الرسائل التي وجهها المؤسس الملك عبدالعزيز إلى رجله الوفي المؤتمن على أرزاق القصيم الشيخ حمد بن عبدالمحسن التويجري ألا وهي ذلك الإلمام الواسع من قبل الشيخ حمد بجميع التفاصيل الخاصة بالقصيم وأرزاقها ودخولها ووارداتها، إذن لم يكن الشيخ حمد التويجري رجلاً عادياً بقدر ما كانت رأسه ذاكرة عملاقة تعي جميع التفاصيل وتحمل صوراً لجميع الوجوه وتحمل على أقراصها المدمجة العملاقة ظروف كل بيت بل كل فرد من أفراد المجتمع القصيمي في ذلك الزمن المبكر، وإن تلك الموسوعية التي كانت تتمتع بها ذاكرة الشيخ حمد وتلك الإحاطة بجميع الأشخاص وجميع الظروف وجميع التفاصيل فضلاً عن أمانته ونزاهته وشفافيته هي التي جعلت منه رجل المؤسس الأول على القصيم، وجعلت منه أيضاً جليس المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب لله ثراه-. رجل المؤسس «بسم الله الرحمن الرحيم من عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل إلى جناب الأخ المكرم حمد بن عبدالمحسن التويجري سلمه الله تعالى آمين. السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته مع السؤال عن أحوالكم، أحوالنا من كرم الله جميلة، الخط المكرم وصل، وما عرفت كان معلوماً خصوصاً من قبل الزكاة، وأن الوارد فيها سابقاً ولاحقاً خرجتموه بالتمام، بارك الله فيك، ومن طرف زكاة العروض إذا عرفت الحاصل عرفنا عنها ويجيئكم منا تعريف. (1352ه، 1933م)». - نقرأ في ثنايا تلك الرسالة امتداد لغة التقدير والاحترام نفسها من قبل المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، من الوالد عبدالمحسن التويجري، إلى الابن حمد بن عبدالمحسن التويجري الذي تولى المسؤولية في بيت مال المجمعة وعموم سدير آنذاك. كما نقرأ فيها جانب الخصوصية والرابطة الطيبة التي تعكسها عبارة (مع السؤال عن أحوالكم، أحوالنا من كرم الله جميلة). فالمؤسس يطمئن على أحوال الشيخ حمد، وأيضاً يطمئنه على أحواله، رداً على سؤال الشيخ حمد عن أحوال المؤسس في خطاب سابق. ونستشف من سطور هذه الرسالة رضاء المؤسس -طيب الله ثراه- عن أداء الشيخ حمد الذي كان شاباً لا يزال في بداية توليه مسؤولية بيت مال المجمعة وعموم سدير، نلمس ذلك الرضاء في عبارته (خرجتموه بالتمام، بارك الله فيك). أهل الرأي «بسم الله الرحمن الرحيم من عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل إلى جناب الأخ المكرم حمد بن عبدالمحسن التويجري سلمه الله تعالى، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مع السؤال عن أحوالكم أحوالنا من كرم الله جميلة، الخط المكرم وصل وما عرفت كان معلوماً خصوصاً من قبل الأخبار. أحسنت الإفادة، بارك الله فيك، ومن قبل زكاة العروض فأنت تدري أن هذا شيء لله ولا قصدنا بها إلا أخذها من الأغنياء ودفعها إلى الفقراء، ولا لنا فيها مقصود، نرجو أن الله يحسن النية. ومن قبل رأيكم لابد إن شاء الله ننظر في مسألته. هذا ما لزم تعريفه مع إبلاغ السلام العيال ومن عندنا يسلمون والسلام. (20 رمضان 1352ه، 1933م)» - لقد كان الشيخ حمد أهلاً لهذا الحوار الذي فتح المؤسس له هذه القناة عبر تلك الرسالة، كما نلاحظ على هذه الرسالة أيضاً الأولوية التي كانت تحظى بها آراء الشيخ حمد التويجري ومقترحاته لدى المؤسس في قوله: (ومن قبل رأيكم لابد إن شاء الله ننظر في مسألته)، أيضاً يعكس تلك الحظوة التي كان يتمتع بها الشيخ حمد لدى المؤسس سؤاله (المؤسس) عن أحواله، وإبلاغ السلام لمن في عهدته من الأهل، ليس سلام المؤسس وحسب، بل سلام عياله، ما يعد إشارة واضحة ستتكرر كثيراً في أكثر من وثيقة (رسالة) إلى عمق الروابط بين المؤسس والشيخ حمد ومتانتها. نعم لقد كان الشيخ حمد بما أوتي من خبرة وتجربة حياة ثرية فضل عن تفقده الدائم لأهل القصيم الذين ولي أمانتهم أهلاً لثقة المؤسس وأيضاً أهلاً للرأي لدى حكيم العرب الملك عبدالعزيز الذي لم يكن ليدع لأحد من رجال الرأي في قضية من القضايا إلا أريب مثل الراحل الشيخ حمد التويجري الذي لم يكن من أهل الرأي والمشورة لدى المؤسس وحسب، بل كان الشيخ حمد من الرجال الذين طالما كانوا عوناً للمؤسس في كثير من المواقف التي شهدت بلاء حسناً للرجل الذي أحب مؤسسه فوفى له وكان مضرب مثل في وفائه وصدقه ونزاهته وسداد رأيه. - من عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل إلى جناب الأخ المكرم حمد بن عبدالمحسن التويجري سلمه الله تعالى. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعد ذلك واصلكم عويدي بن عبدالله مواجرينه بعشرين ريال ومشترطين عليه يلفي عليكم ثاني نهار الثلاثاء إن شاء الله تعالى، إذا ياصلكم في اليوم المذكور تسلمون له عشرين ريال ولا تعوقونه يكون معلوم والسلام. التعليق: عشرون ريالاً كانت موضوع رسالة بين المؤسس والشيخ حمد التويجري، على ما يبدو أنها كانت أجراً مستحقاً لهذا الرجل (عويدي بن عبدالله) وعلى ما يبدو أيضاً أن المؤسس قد أرسله إلى رئيس المالية الشيخ حمد التويجري ليدبر له المبلغ. ما أعظم هذا الرجل عبدالعزيز بن سعود الذي يحرص على حقوق الناس إلى هذا الحد، في الوقت الذي كان فيه الملوك يسخرون الناس حتى الموت في أعمال دولهم، بل في أعمالهم الخاصة، ويأخذون المال من أيدي الموسرين ظلماً وعدواناً بقوة السيف والبندقية. ويبدو مدى حرص المؤسس على أن يتقاضى الرجل المال بمجرد وصوله وألا يكون هناك أي تأخير في قوله طيب الله ثراه: (ولا تعوقونه). وثم فائدة أخرى بوسعنا الخروج بها من هذه الرسالة والرسائل الأخرى التي على غرارها، ألا وهي ذلك الضيق في الأرزاق الذي كان غالباً على طبيعة هذا الزمن، فلولا وجود مثل هذه الوثائق لربما تصور أحدهم أن تكون هذه الأرقام موضوع مكاتبات بين الملك عبدالعزيز ورجاله، نعم لقد كان زماناً شحيحاً في أرزاقه، لكنه كان جواداً بإخلاص رجاله ووفائهم وجلدهم على صعوبة العيش، فبهذا القليل القليل أسس الملك عبدالعزيز هذا الكيان العظيم مترامي الأطراف، المملكة العربية السعودية، وبهذا القليل سطر الؤمسس ورجاله في هذا الزمن ملحمة من الأمجاد غير المسبوقة في عصرنا الحديث، وبهذا القليل أصبحت المملكة من أغنى دول المنطقة بتاريخها البطولي قبل أن تكون أغناها بمالها وبعوائدها النفطية. بسم الله الرحمن الرحيم من سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل إلى جناب الأخ المكرم الأحشم حمد بن عبدالمحسن التويجري سلمه الله تعالى. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته على الدوام مع السؤال عن أحوالكم أحوالنا من كرم الله جميلة. خطكم المكرم وصل وما عرف جنابكم كان معلوم خصوصاً الإفادة عن طيبكم وصحة أحوالكم الحمد لله رب العالمين وعن الفايكم الوطن من مكة وأن الوالد أعطاكم على مطلوبكم الحمد لله رب العالمين، نرجو أن الله يبارك فيك ويسدد بك يكون إن شاء الله يجتهد في ضبط شغلك وأن يكون الناس عندك بالسوية، هذا ما لزم تعريفه مع إبلاغ السلام الإخوان ومن لدينا العيال يسلمون والسلام. التعليق: لعل أبرز ما يمكننا قراءته من هذه الرسالة هو تلك اللغة الحميمية التي ظهرت في رسالة الأمير سعود -ولي العهد آنذاك- إلى الشيخ حمد، ويؤكد هذا ما ذهبنا إليه سلفاً من أن الراحل الشيخ حمد التويجري بقي موضع تقدير أبناء المؤسس من ملوك الدولة السعودية وأمرائها، ذها هو ذا الملك سعود يخاطب الشيخ حمد بلغة بوسعنا اعتبارها استكمالاً للغة نفسها التي كان يخاطبه بها المؤسس. وكما أوضحنا سلفاً أيضاً فقد ظل الشيخ حمد يتمتع بمكانة رفيعة لدى أبناء المؤسس، ويتمتع بثقة كبيرة بوصفه جليس المؤسس وموضع ثقته، فلم يتوقف أبناء المؤسس على التردد على الرجل الذي كان موضع ثقة والدهم حتى وفاته رحمه الله. وإن موضوع الرسالة كان رغبة الأمير سعود في الاطمئنان على أخبار الشيخ حمد بعد عودته من مكةالمكرمة، فموضوع الرسالة مع لغتها التي حذت حذو لغة رسائل المؤسس للشيخ حمد، ليشيان بتلك المحبة، وذلك التقدير اللذين كان يحظى بهما الشيخ حمد لدى المؤسس ومن بعده أبنائه، وقد رأينا في مواقف سبق استعراضها حرص أبناء المؤسس على تفقد الشيخ حمد، حتى بعد أن ترك مهامه الوظيفية وأحيل إلى التقاعد، فلم تتوقف زياراتهم التفقدية للشيخ الذي يعلمون أنه كان له الكثير من المودة والاحترام في قلب والدهم المؤسس -طيب الله ثراه-. وقد رآها الأمير سعود فرصة مواتية ليذكر الشيخ حمد ويوصيه بتقوى الله، مقتفياً في ذلك أثر والده المؤسس، ومن ذلك قوله للشيخ حمد: (وأن يكون الناس عندك بالسوية) فهو هنا يوصيه بالعدل بين الناس، وهي وصية لا يمكن قراءة أي قدر من الشك في عدالة الشيخ حمد من قبل الأمير سعود، وإلا لما بقي الشيخ حمد في مثل هذا الموقع الحساس طوال هذه السنوات، ولما ترك من خلفه عليه أخاه الصغير عبدالعزيز الذي واصل الترقي في مراتب الدولة العليا فيما بعد، تأسيساً على تلك الثقة في أخيه الكبير الشيخ حمد، فالأمر لا يعد كونه من باب (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) فهو نوع من التواصي بالمعروف، سبقه دعاء طويل من الأمير سعود للشيخ حمد في قوله: (نرجو الله أن يبارك فيك ويسدد بك).