اليوم قد يسأل الإنسان نفسه ما الذي يناسب عموم القراء من صياغة محددة؟ أو غير محددة المهم أنها تعلق في أمخاخهم ولا تغادرهم؟ تناسبهم وتُشعرهم بالألفة من المحتوى المقروء؟ الأغلب من القراء - ولا أعمم- يتجه إلى المحتوى القرائي السهل المباشر ولا يستلطف المحتوى القرائي المرصّع بالمعاني الذي يحتاج لذهن القارئ وقلبه حتى يستوعبها فبالتالي يستطيع أن يتعامل مع النص المكتوب أمامه ويتفاعل معه. هذا الانصراف لم يكن وليد اللحظة ولم يكن مباغتاً أو مفاجئاً، لكن طول مكثه ووجوده في أوساط بعض القراء يُنبئ أن هناك مشكلة تخل بأحد أطراف المنظومة القرائية، فالكتابة حين تصل لا بد لها من كاتب وقارئ ونص، وإذا كان القارئ على مدار فترة طويلة يقرأ بنفس المستوى ولا يطور من نسبة المقروء يدل هذا أن هناك خللاً في مصطلحاته فهمه للقراءة، لأن القراءة لن تكون عملية بالغة النجاح إلا إذا ارتقت بالقارئ واختياراته ونقلته من مستوى أقل إلى مستوى أعلى. ولن تكون ذات جدوى فعَّالة إلا إذا مارست الصعود برفع مستوى المقروء وبالتالي القارئ أيضاً. من المؤسف أن نجد أصواتاً تُطلق على نفسها مبادرات قرائية تُطالب الكُتّاب بخفض جودة إنتاجهم ليتناسب مع عموم القراء وحتى يصل إليهم بشكل مرن! نظرًا لأن مواقع التواصل الاجتماعي سهلت وأوحت للكثير بضرورة القراءة السريعة اختصارا للوقت! ولكن هذا لا يعدو عن كونه مبرراً عن إرشاد النفس وحثها على اتباع أسلوب قرائي جديد ونمط يسهل عليها الارتقاء وزيادة المعاني اللغوية وإثراء الحصيلة وليس خفض الجودة حتى تتناسب مع العموم..! ولو بحثنا أكثر في الموضوع ربما نجد أن هذه الأصوات الصادرة قلة قليلة تبنتها فئة تمكنت من المنبر ووجهت هذه النداءات في صورة شعار يقتدي به البعض في اتخاذ القراءة المختصرة نهجاً قرائياً للمجتمع! ومن المفزع لبعض الناس الإشارة لهم بقراءة بعض أمهات الكتب في المجالات المختلفة فتراه يتذرع بعدم وجود الوقت ومدى ضخامة المادة بالنسبة لوقته! فيستعيض عن ذلك بالكتاب العصري ولو بحثنا نجد أن بعض هذه الكتب العصرية مجرد ورقات حُشيت كلاماً عاديًا لا يخرج منه القارئ بفائدة تذكر. وحين نحاول أن نجد معادلة متوازنة تُمسك الجميع بطرفي الحل نقول أنه من الممكن لبعض القراء التقدم خطوة للأمام في اختياراتهم للمادة المقروءة ذلك يضمن جودة لهم وللكُتّاب أيضاً بحيث يحفرون في أدمغتهم بحثًا عن معاني ترضي نهم القراء وتشبع وجودهم المعرفي. هذا بحد ذاته سيشكّل ثروة متنامية تقفز بالجميع إلى محتوى مقروء ذي جودة عالية يكون السبب فيه القراء الذين رسموا للكُتّاب طريقاً جديداً نحو مستقبل نخبوي من القراء الذين يتلقطون الجواهر في النص المكتوب والتي لا تمر على مستعجل.