الحُب حالة غرق، وإن تمادينا في البحث عن معانيه وما يعنيه سنغرق أكثر. فلكل منّا في الحب شريعته ومنهجه وغايته. منّا من لا يقبل في الحب قسمة ولا تأجيلاً، ومنا من يبقى في حالة سفرٍ وبحث دائم. منّا من يتلذّذ في الأخذ وآخر يتمادى في العطاء، فأيهما المُحب؟ لن أتمادى في تساؤلاتي هذه المرة، وسأصف الحُب من حيث أراه. الحُب ليس عملية تحدّ، ليس رهانًا يحتمل الربح والخسارة. هو أن تعيش الحالة دون اشتراط ولا انتظار. وإن غلبتك حاجتك تذكر بأن للحُب قداسة تدنسها أنانيتك. حين تُخبر شخص ما بأنك تحبه، فإنك تحبه هو متناسيًا ذاتك. بل إن كينونتك ذابت به وامتزجت تلك الأحاسيس حتى سُخّرت لهواه. الحُب ليس إذلالاً، بل سمو للشعور وتحرير للمشاعر من براثن الأنانية. حين نحب ونشترط توفر سُبل سعادتنا لدى الآخر، فإننا لا نحبه لذاته بل نحب أنفسنا معه، هذا يا عزيزي ليس حُبًا، بل استغلالًا بيّنًا لشعوره. نقع في فخ حين نخلط بين مفهوم الحب والعلاقة، فالحب شعور بينما العلاقة صفقة تبادلية المنافع. الفصل بينهما تمجيدٌ للمشاعر، فأنا أحبك ولا علاقة بهذا في غاية وصالك. وصال الحبيب يأتي على هيئة مهدئ ل اللهفة، ومسكن للشوق وميناء للانتظار. لكن عدم وصله لا يعني أن نتوقف عن حُبه، فالحب في شريعتي لا يشترط الوصال. وكيف يكون شرطًا وقد ران هواه على قلبي؟ إذًا حين أحب فسعادة المحبوب هي غاية مرادي، وسُكنى فؤادي. فحين أحب يُزرعُ في صدري له، خوف أمه وحرص أخته وأمانَ صديقته. حين أحب لن آبه للونه ولا جنسيته وطائفته. لن ألتفت لحسابه البنكي، ولا اسم قبيلته. حين يخفق قلبي لن يستأذنني لأجمع بيانات كاملة عن تاريخه. لن ينتظرني حتى أتأكد إن كان يبادلني الحب أم يسبح في ملكوت آخر. أجزم بأن رعشة القلب حالة حقيقية تفرض نفسها حين نلتقي به، هي ردة فعل جسدية بأوامر روحية يذعن لها القلب وتنصاع لها الجوارح. هُنا نعلن الغرق ولا نرجو النجاة. هذا حبي وتلك هي شريعتي فيه، ولله أسلّم أمر قلبي. فهل بعد هذا سيبقى لدي سؤال عن ماهية الحُب؟ ** **