الساعة ميقاتها نبضات القلب ولا شيء غيرها.. يعدو قلبي باتجاه الحنين، فتفتح أمام خيالي صورتها ماثلة تراقص الأمنيات العذبة الرقيقة.. لم يكن ثمة أحد غيرها معي وهي تتشكل في خاطري كما تشاء.. الضوء من حولي فاتر يعمق من صمت المكان.. لم يكن ينقصني غير صوته المجوهر المعتق.. أدرت شريط التسجيل، فانداح صوته ناشرا عبقه في كل المساحة.. دلق محمد عبده عطر الموسيقى وشذى الصوت في سمع اللحظة، فانتبهت إلى مطلع الأغنية انتباهة من يسمعها لأول مرة: اختلفنا مين يحب الثاني أكثر؟ يا لهذا السؤال المحوري المحير.. تركت هذا المبدع الفنان يمضي مع حبال صوته الريانة، بعد أن هيأ لي اللحظة لأسلك الطريق في دهاليز هذا السؤال المحير.. «مين يحب الثاني أكثر؟»، أي الموازين الراجحات قادر على الإجابة والكفة في قبضة الحواس؟ إنه الحب إذا.. يفتح مضماره الفسيح أمام القلوب لتعدو وتعدو بلا كلل ولا انتهاء.. كل محب أدرك منه شوطا انفتح له آخر.. فمن ظن أنه وصل فقد تاه، ومن توهم أنه قد ضمن الوصال فقد ضل.. فالحب يقينا أن تبقى بلا راحة.. فهو ليس بغاية تدرك، ولكنه دفق مستمر، وشعور متجدد متواصل.. «مين يحب الثاني أكثر».. يتردد صدى الصوت في باحة المكان.. وهي هناك في ركن الصالة تحت حزمة الضوء تشاكس الظلام بخيوط وسنى فتزيد من حميمة المكان.. هناك كانت تقف.. خيالا يردد مع المغني.. «أنا أكثر وأنت أكثر».. هل تبدو القسمة بهذا الحل التوفيقي عادلة..؟ قلبي يحدثني بأني أكثر.. فصوتي يطابق صوت نزار حين أدرك أن قلبه لن يسع مقدار حبه فاحتاج إلى آخر: يا ربِ.. قلبي لم يعد كافيا لأن من أحبها.. تعادل الدنيا فضع بصدري واحدا غيره يكون في مساحة الدنيا هكذا.. أحتاج قلبا إضافيا يحمل معي هذا الحب الفياض، والشعور المتدفق.. إن اللحظة لا يحتمل غير الصمت.. فما بوسع هذا القلب الإضافي أن يحمل كل الشعور.. سأرخي سمعي لهذا الصوت النابع من جوف الضوء الخافت، والخيال الماثل أمامي: من عدد رمل الصحاري من المطر أكثر وأكثر كيف نخفي حبنا والشوق فاضح.. وفي ملامحنا من اللهفة ملامح.. عاشقين ونبضنا طفل حنون.. لو تزاعلنا يسامح.. يا الله حين تكون النبضات طفلا حنونا كلما اشتد بيننا خيط «الزعل» طفق يشج بينهما بخيط التسامح.. يا لهذه الصورة العميقة.. ويا لهذا الصوت البديع حيث يسقيها من صادح حباله المموسقة فيأخذ المعنى بعده العميق، وتكتسب اللحظة شحنة من العواطف الندية.. سأترك لها الإجابة على هذا السؤال القديم الجديد «مين يحب الثاني أكثر»، فالحب طاعة وإيثار.. وقد قادت فؤادي في هواها وطاع لها الفؤاد وما عصاها خضعت لها في الحب من بعد عزتي وكل محب للأحبة خاضع..