قبل أيام عقدت في مدينة سوتشي المنتجع الروسي القمة الأفريقية الروسية والتي وضحت مدى الاهتمام بهذه القارة الغنية بمواردها والفقيرة بناتجها الإجمالي فالسباق بات محموماً بين القوى الكبرى للاستثمار وبناء الشراكات مع دول أفريقيا التي يبلغ عددها 54 دولة وعدد سكانها يتجاوز 1.3 مليار نسمة ومساحة القارة حوالي 30 مليون كم مربع مما يشكل أسواقاً ضخمة للاقتصادات الكبرى التي بدأت معدلات النمو الاستهلاكي فيها تتباطأ وأصبحت بحاجة لأسواق جديدة متعطشة للنمو. فالقارة الأفريقية تعد الأفقر بين قارات العالم واحتياجاتها التنموية ضخمة جداً، ولذلك نشاهد هذا الاهتمام الكبير من روسيا والصين وأميركا وأوروبا بالدخول للأسواق الأفريقية وتوقيع اتفاقيات تمويل مشاريع بهدف وضع موطئ قدم في هذه الدول، فالصين تتواجد بمشاريع وتمويلات كبيرة في 23 دولة أفريقية، وهو ما بدأت أميركا تتحرك ضده وتحاول أن تحصل على حصة من هذه الأسواق الفتية، بينما تتجه روسيا حالياً بقوة نحو أفريقيا بتعاون بالمجالات كافة، مما سيدعم صادراتها ويحسن من سمعة منتجاتها ويسهم بتطويرها لتتخلص من عبء الاعتماد على صادرات محددة بالسلاح والنفط والغاز، فمازالت الصناعة الروسية غير معروفة للعالم بشكل واسع سواء بالمعدات الثقيلة أو السيارات وغيرها من التقنيات. فما يحفز الدول الكبرى على الاهتمام بأفريقيا كونها تحقق معدلات نمو تقارب 4.8 % سنوياً، ورغم أن الناتج الإجمالي للقارة بدولها كافة يصل إلى حوالي تريليوني دولار أميركي سنوياً، لكن من المتوقع مع معدلات النمو الحالية أن يصل الناتج الإجمالي إلى 29 تريليون دولار أميركي عام 2050م بحسب العديد من الدراسات الدولية، أي أن الاعتماد الحقيقي على نمو الطلب عالمياً على السلع والخدمات سيكون من أفريقيا وهو ما يتطلب إعادة النظر من قبل الدول العربية باستثمار وجود منتدى عربي أفريقي، وتعقد له قمم بشكل منتظم بأن يتم توثيق الشراكات التجارية مع أفريقيا فهي السوق الأهم لمنتجات النفط ومشتقاته وأيضاً تشجيع الاستثمار بأفريقيا بمجالات الطاقة تحديداً والزراعة والتعدين، فالدول العربية مجاورة للدول الأفريقية، وهناك تقارب بالعديد من الجوانب بينهم وهو ما ييسر بناء الشراكات المستدامة. من الواضح أن أفريقيا باتت هي الرئة التي سيتنفس منها العالم لرفع معدلات النمو الاقتصادي، والصراع القائم حالياً بين القوى الكبرى على أسواقها يظهر الأهمية الكبرى التي ستكون عليها دول أفريقيا مستقبلاً في خارطة الطلب على السلع والخدمات، مما يعني أنها ستكون السوق الأول عالمياً فلابد من التفكير جدياً بالاستثمار في أفريقيا في قطاعات عديدة تمثل اللبنة الأولى لبناء اقتصادياتها، مما يتيح أسواقاً لسنوات طويلة أمام السلع التي نصدرها كالنفط والبتروكيماويات والمعادن.