تعتبر الأزمة المالية العالمية تعبيراً مشؤوماً لا يعرفه قاموس دول أفريقيا جنوب الصحراء. وبالنسبة الى معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول، فإنه مؤهل للارتفاع من 5.2 الى 5.8 في المئة، خلال العام المقبل. ما يعني أن نحو 2 تريليون دولار ستساهم في تحريك الناتج المحلي لكل دولة من هذه الدول، في عام 2012. أما الاستثمارات الدولية فإنها ستساوي 22 في المئة من هذا الناتج عام 2012. وفي موازاة الصين، التي تحتل المكانة الأولى في لائحة هذه الاستثمارات، ستحاول الدول الأوروبية تعزيز مكانتها، هناك، بحثاً عن مخارج جديدة لأسواقها. وبين دول أفريقيا جنوب الصحراء التي تألقت لناحية النمو، نجد غانا التي نما اقتصادها بنسبة 23 في المئة تقريباً. ولا يقود قاطرة النمو فيها، انتاج النفط فحسب، بل نجد نشاطات أخرى بدأت تشق طريقها، منها الانتاج الزراعي (الكاكاو) والمعدني (الذهب)، فضلاً عن قطاعات أخرى مثل الادارة المعلوماتية ومكاتب الاتصالات الدولية التي تديرها شركات أجنبية متعددة الجنسية. هنا، يمكننا القول ان استغلال الموارد، النفطية والمعدنية، ليس إلا جزءاً من محرك النمو الاقتصادي الأفريقي الذي يواجه ظاهرة التحضر، أي هجرة سكان الريف الى المدن. اذاً، لا عجب في ان نستغرب ان عدد سكان تلك المدن، مثل كينساشا ولاغوس والقاهرة، بلغ أكثر من عشرة ملايين. وفي موازاة التغييرات المهمة والمصيرية التي تمر بها افريقيا جنوب الصحراء، تشهد الحركة الاستهلاكية فيها بدورها، ثورة يقودها قطاع البناء والخدمات الصحية وشبكات المواصلات والتجارة وعالم الائتمان. ويتوقع خبراء أن تصل قيمة الحركة الاستهلاكية في افريقيا جنوب الصحراء، حتى عام 2020، الى ما مجموعه 1.380 تريليون دولار. ما يعني أن النمو الاستهلاكي سيزيد 4 في المئة سنوياً، في السنوات التسع المقبلة. الملف الزراعي ويرجح خبراء سويسريون أن يكون الملف الزراعي حيوياً لمستقبل أفريقيا التي تحتضن 60 في المئة من الأراضي الزراعية، غير المستغلة بعد، حول العالم. لذلك، ثمة دول أفريقية كثيرة تخوض برامج ومشاريع ضخمة لمصلحة دول أجنبية. بالطبع، فإن التحركات الأفريقية تصب كلها، في مجال تطوير القطاع الزراعي للوصول الى مرحلة من الاكتفاء الذاتي في انتاج السلع وبيعها في الأسواق الاستهلاكية، الداخلية والخارجية. لذلك، تحتاج أفريقيا الى تطوير آلياتها الزراعية، من طريق تأسيس معامل لمعالجة السلع وتحويلها، فضلاً عن لجوئها الى تحسين شبكات المواصلات، في المدن وخارجها. وبالنسبة الى الشركات والمستثمرين، من أوروبا وسويسرا، تعد حاجة أفريقيا لتطوير بنيتها التحتية، الزراعية وغيرها، فرصة أعمال ذهبية لهم. على الصعيد السويسري، يتمتع رجال الأعمال والمستثمرون بخبرات واسعة النطاق في كيفية تطوير قطاعي المواصلات والزراعة، خصوصاً. وطالما كانت أفريقيا أرض الميعاد بالنسبة الى التجار السويسريين المتعطشين لأنشطة استخراج الذهب هناك. صحيح أن التفكير التجاري بين السويسريين وسكان افريقيا جنوب الصحراء مختلف تماماً، لكن ذلك لا يمنع الطرفين من تبادل الخبرات. أما الأرباح فهي لمصلحة الجميع.