قبل شروق الشمس كنت أسمع صوته، وقبل الغروب كان يتلو قصائد الأصوات، أصبحت أنتظر موعده مع الشروق والمغيب، في بداية الأمر لم أحمّل معنى التوقيت أكثر مما يحتمل، ولكن عادة بدأت تنمو لدي دون أن أدرك وقوعي في شركها اليومي، الشجر في حديقة المنزل طويل بفعل الزمن ومليء بالعصافير واليمام الذي يهبط من آونة وأخرى ليلتقط الحب وفتات الخبز، الذي توزعه زوجتي بعد أن تتقي تنمر القطط التي اتخذت لها مساحات تدافع عنها، وتترقب اللحم الطازج الهابط من أعالي الشجر وتتمناه، كانت اللعبة وإدارتها تمثل جانباً آخر من الوظائف التي خلقتها الأشجار وسكانها والمتربصون. هذا الطير الذي لم أشاهده لا لحظة الشروق ولا لحظة الانحسار، ربّ هب لي من لدنك مقدرة تدلني على نهر هذا الصوت المرتبط بالنور ولادة وغياباً، ربّ اهدني إلى طريقه. لكن حيلتي قلّت واستطاعتي وهنت، لم أبصر الصوت الذي على ضفاف السمع، لكن عيني التي اشتاقت إلى رؤيته داهمها الظلام الدامس، وجانبها الحدس الذي يدل ولا يذل ويمنح ولا يمسك، إنه الصوت الذي يفترش الذاكرة ولا يمتهنها. ذهبت إلى ذلك الصوت الذي رهنت وقتي ترقباً ورغبة في الرؤية، لكن لا جدوى، للحظة داهمني الفزع، هل كانت ابنتي الكبرى يداهمها شعور أخاذ أننا لسنا وحدنا في هذا البيت؟ كنت أبتسم لهذا الظن ولا أعيره انتباهاً لكن السؤال الذي يتكرر كل يوم: أين هذا الطير الذي يسكن أعلى الأشجار ويتلو غناء يصل إلى القلب ولا يتجاوزه ثم يغيب ولا يهبط! ما لونه؟ هل يبصر؟ هل يأكل ويشرب، ظننت لوهلة أنه غصن إحدى الأشجار التي تصدر غناء في الصباح وفي المساء، غناء لا ندركه. ** **