هل نستطيع البحث عن أنفسنا بداخلنا؟ وماذا إن فقدنا سُبل التواصل مع ذواتنا؟ مَن سيدلّنا علينا؟ أن تفقد ذاتك يعني أنك خاوٍ منك، هائمٌ بلا هدفٍ، باقٍ لكن دون جدوى من بقائك. برأيي، إن رحلة البحث عن الذات هي الأصعب. ففي كل الرحلات التي تقطعها في حياتك قد تجد مَن يشاركك، مَن يكون عونًا لطريقك، ويتقاسم معك الأعباء. بينما تلوك وحدتك خائفًا في بحثك عنك. قضيتُ في آناءِ بحثي عن ذاتي سنين وما زلت في إثري. أجل، إني خائفة، وأرتجف فزعًا كلما تراءى لي خيطٌ يوصلني إليّ، وكأنما بت أتلذذ وحدتي وتغريبتي، وكأنما اعتدت هذا التيه والتشظي. إلا أن الوصول وجب، والكشف عن مصير رحلتي صار ضرورة بقاء. وبما أن الوقت حان لوضع حدٍّ لهذا التيه، فبماذا سأبدأ؟ هل أتفكك مني وأغادر شرنقتي؟ إلى متى سأُبقي على هذه القيود التي أكبل ذاتي فيها؟ وإلى متى سأخشى الانخراط بين البشر؟ وما فائدة طقوسي التأملية الطويلة التي مارستها في سفري نحو سقف حجرتي؟ حان الوقت للانطلاقة بعد أن تزودت بي؛ فكل ما كان ينقصني لمواجهة هذا العالم هو (أنا). (أنا) التي افتقدتها طويلًا وكرهتها كثيرًا، ولم أعطها حقها بالثقة. أثبتت لي (أنا) بأن لا شيء يبقى معي سواها، ولا أحد ينقذني من تساؤلاتي غيرها. حملت في رأسي الكثير من الأسئلة، ولم أعد أرجو الإجابات. اكتشفت بأن السؤال يفقد لذته، وتذوب دهشته فور الحصول على الإجابة. وبأن المجهول وَهْم، والمستقبل أكذوبة، وكل الغيبيات لم تعد تشغلني. لا أملك من أمري سوى حاضري؛ فالماضي غاب وتلاشى، ولم يبقَ منه سوى الذكريات. والمستقبل قيد التكهنات، مَن ذا يجزم الوصول إليه؟ حياتي هي اليوم فقط، ولا يعنيني غيره. حتى البشر، من رحل منهم ترك رسالته بي وغادر، ولم يعد سوى ذكرى. ومَن سيأتي لاحقًا أهلًا به وبرسائله. أما المحيطون بي الآن فهم رُسل الحاضر، أبقى معهم على قيد التأمل والتلقي والمتابعة. وعن الانتظار فهو المفهوم الوحيد الذي أحاول التخلص من شبَكته؛ فقد أدركت بأنه فخ، والنجاة منه واجبة. (العجيب) أنني بعد كل هذه السطور ما زلت لا أعلم أين أنا مني. ** ** - حنان القعود