التناقضات التي يعيشها العالم اليوم ليست مسبوقة من حيث حدتها وحجمها وعددها بل أنها وضعت جميع بيوت الخبرة المالية والاقتصادية العالمية وحتى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في حيرة، وباتت تقاريرهم تتباين في توقعات الاتجاهات بشكل ملفت من شهر لآخر، وكذلك التقارير الربعية، فتسارع الأحداث كبير وجل التناقضات صنعها قادة الدول الكبرى اقتصادياً بعد أن بدأت الحروب التجارية بين هذه الدول بالإضافة للأحداث الجيوسياسية عالمياً. فبالوقت الذي يبحث فيه العالم عن تعاون لتدارك حدوث ركود اقتصادي دولي تجد ذات الدول التي تتعهد بدعم النمو الاقتصادي العالمي هي المتسبب بحالة الضبابية بالعالم وتتخذ إجراءات تناقض تعهداتها، فأميركا أكبر اقتصاد عالمي فتحت الحرب التجارية على أكبر شركائها الصين وكندا والمكسيك بالإضافة لما اتخذته من خطوات سابقة بفرض رسوم على أي واردات لأسواقها من الصلب والالمنيوم رغم أن مجموعة العشرين التي هي عضو فيها حذرت من اندلاع الحمائية ووعدت دول المجموعة بأن تبتعد عنها لكن الواقع كان مختلفاً، وأيضا الصين لها إجراءات تدخل في ذات سياق تناقض توجهاتها الفعلية وما تقوله بالاجتماعات الدولية، فهي تخفض عملتها لحد معين يوجد لها هامش منافسة كبير مع بقية العالم ويجعلها الأولى بالتصدير، ويراه الكثير من الدول أنه تصرف يضر بالتجارة الدولية وباقتصادياتها ويحد كثيراً من المنافسة مع الصين. اما في شق التناقضات التي سببها سياسي فتجد بريطانيا واحدة من أكبر اقتصادات العالم تعيش مرحلة متخبطة سياسياً بسبب عدم وجود قرار واضح لطريقة خروجها من الاتحاد الأوروبي وقد دخل اقتصادها رسمياً بالركود، ولم تخرج ألمانيا عن دائرة المتأثرين بما يحدث عالمياً وسجلت أداء اقتصاديا سيئا في آخر التقارير الربعية والشهرية، ودخلت إيطاليا أيضا بالركود، أما اليابان فهي باتت تخشى فعلياً من ركود اقتصادي مما جعلها تتخذ خطوات استباقية تحفيزية لاقتصادها وكل ذلك حدث بسبب أوضاع الدول الكبرى اقتصاديا التي تتصارع إما تجاريا أو بسبب ملفات سياسية لم يتم حسمها وما زالت معلقة وتتصاعد فيها الأحداث بشكل مقلق، فأميركا تتحرك ضد إيران لكن دون حسم واضح لهذا الملف مما جعل إيران تشعل حرائق بالمنطقة للتملص من العقوبات وشبه العزلة التي تعيشها بسبب سياساتها التخريبية بالمنطقة، وكذلك لم تحسم أميركا ملف كوريا الشمالية، وما زال الاتجاه غير واضح أيضاً في كيفية تصرف أميركا مع استفزازات الدولة الفقيرة اقتصادياً والقوية نووياً كوريا الشمالية. العالم يعيش مرحلة صعبة لا يمكن لأحد توقع اتجاه واحد للاقتصاد العالمي بسبب التداخلات العديدة بين الملفات الاقتصادية والسياسية وظهور عوامل غير مسبوقة كمحاولات التدخل من الرئيس الأميركي ترمب بسياسات البنك الفيدرالي الأمريكي الذي تعد استقلاليته خطاً أحمر على مر تاريخ أميركا الحديث مما يعني أننا أمام سنوات قليلة قادمة تحمل تغيرات وأحداث لا يمكن تقدير عواقبها ونتائجها النهائية التي قد تصل لحروب عسكرية مدمرة.