فكيف لنا إسعاف من يُسعفنا! وكيف لنا إنقاذ من يُنقذنا! أنت من يقرر ويدبر ومن يتصرّف أنت من يعالج وأنت من يُلملِم ومن يجمع شملنا! سقطتْ وصَمَتْ فصَمَتَ الكون معك! أحتاج مساعدتك، توجيهك، علاقاتك، هدوءك، حكمتك!! ثم عاد الوطن بك لأرضه، لحبه وتكريمه لك، وهنا مرة أخرى أحتاجك كيف لنا نَعْيُك، ودفْنك، أنت من يصوغ حب الحياة والوفاء للأحياء والرثاء للأموات.. وأنت من يستضيف ويُكرِم ويلبّي افتقدك كل يوم لأنك كنت لنا ومعنا في كل آن. واليوم افتقدك من جديد واحتاجك هنا لكتابة هذه السطور. فأنت من يكتب وإن لم تكتب فأنت من يُصوّب أنت من يُضيف ويشطب أنت من يضع النقاط والفواصل والهمزات. وأنت من يعلّم كيف أقرأ وكيف أبدأ وأين أقف وأين استريح. لكن الحقيقة؛ نحن من سقط وليس أنت! أبي قد حلّقت عاليًا لأنك إنسان سموت بالنبل والكرم والوفاء ارتفعت باللطف وبالأخلاق لكننا نبكيك وسنبكيك لأن البكاء خلق لأمثالك. تبكيك الزوجة والأبناء والأحفاد والأسباط والأنساب تبكيك أمي لأنك أبي ولأنك الزوج الحنون فأنت حبيبها وشريك حزنها بفقدها لطلال تبكيك رشا وأبناؤها (فيصل، نايفة، صيته) فأنت الظل والسند تبكيك نجلاء وأبناء طلال (عبدالرحمن، نورة، شادن، شهلاء) فأنت الحنان والأمان يبكيك البدر لأنك الفرح والحب والمثال يبكيك الوليد حزنا لأنك الرفيق وصاحب الرأي السديد. يبكيك الإخوة والأقارب يبكيك الأصدقاء والأغراب تبكيك السبتية والأحدية والثلوثية وجلسة الأربعاء ورحلة الجاسر والشتاء ودورية رمضان. يبكيك البسيط والمسؤول يبكيك الأدباء والمثقفون يبكيك صندوق العائلة ومركز حمد الجاسر وتبكيك مؤسسة عبدالرحمن السديري ومكتبة البابطين. تبكيك مطبعة سفير ومراكز الطباعة ومحركات البحث والدارة والمكتبات. تبكيك الجزيرة والشرق والأوسط، يبكيك الإعلام والتعليم والشورى والتاريخ، تبكيك أيضًا الجمعيات والهيئات. يبكيك صديق ألف كتابًا وآخر يكتب خطابًا يبكيك الطالب والموظف يبكيك الباحث والناشر يبكيك المحتاج والمظلوم تبكيك المطلقة ويفتقدك المحروم تبكيك النصيحة والمشورة والمساعدة . تبكيك أرصفة المحمدية فمن يلتقط ما عليها لتنظيفها، تبكيك القطط فمن يرحمها ويتأكد من سلامة عبورها. يبكيك الجار والمار وعامل النظافة ورجال الأمن والسلامة. يبكيك تمرك ونخلك، تبكيك السكرية والبرحية والسكرية الحمراء والروثانة. تبكيك عنيزة والقصيم وجدة وجهات الوطن فندوة هنا ومحاضرة هناك ولقاء وزيارة ومشاركة ومجاملة. تبكيك صالات الندوات والمحاضرات، ومجالس العزاء وقاعات الأفراح. يبكيك المسجد ومجلسنا بالعيد. تبكيك الصورة والقصيدة والرسالة. تبكيك صالات المطار ورحلات الاستقبال والتوديع. تبكيك باريس بأروقتها وبضاحيتها بحدائقها وغاباتها، متاحفها ومدارسها ومعاهدها ونهرها بالإضافة لمسجد باريس. يبكيك قلمك وكتابك وتسجيلاتك ومخزن فكرك يبكيك مكتبك الذي يكتب دموعي، وجهازك الذي يحتوي كلماتي، وصورك التي تغيم بها رؤاي، وصوتك الذي صار صداي ومداي. قدمت نفسك وحبك للكل قدمت نصحك ورأيك قدمت بيتك وجهدك قدمت لطفك ومالك قدمت الكلمة ومبسمك. خميسنا حَزِن ومجلسنا حزن وبيتنا حزن، لا ضحكات ولا مرح ولا رقصات، غداؤنا وعشاؤنا و»قروب» عائلتنا حزن. هذا أبي ووالدي وقائدي ومعلمي وصديقي وكيف لا أبكيه! فهو الوالد، الحنون والحبيب واللطيف هو المعلم الذي علمني ودربني وصدّقني وآمن ووثق بي! تبكيك هذه الكلمات التي كتبت نفسها دون أن أعتني بها؛ فهي نبضُ ألم وإيقاع فقد ووجد.. اللهم إني أشهد عليه أنه ربَّى وأحب وعلَّم واحتضن اللهم احتضنه في جنتك مع أخي طلال وأموات المسلمين أجمعين واجمعنا بهم في عليين. ** ** - شادن عبدالرحمن الشبيلي