دعت الهيئة العامة للرياضة من خلال مؤتمر استراتيجية دعم الأندية الرياضية في الدوري السعودي للمحترفين إلى دعم مالي قدره عشرون مليون ريال سعودي أي ما يعادل خمسة ملايين دولار أمريكي مشروط بتطوير منظومة «الحوكمة» في الأندية الرياضية، والحوكمة تعني مجموعة من القوانين والنظم والقرارات التي تهدف إلى تحقيق الجودة والتميز في الأداء، وبالتالي تتحول الأندية الرياضية في تنظيمها الإداري والمالي إلى ما أشبه بالشركات التجارية الضخمة لضمان جودة أعمالها. ولكن هناك سؤال يدور في أذهان الكثير من الناس لماذا الحوكمة مهمة في الأندية الرياضية؟ فإن الحوكمة بشكل عام مطبقة في كبرى الشركات التجارية لمعالجة الأزمات الاقتصادية والمالية وللحد من استخدام السلطات الإدارية في غير محلها ومصالحها، بحيث تلعب الحوكمة دورًا في رفع مستوى مجالس الإدارة في تلك الشركات وكذلك تسهم الحوكمة في تعزيز الرقابة الداخلية ومتابعة تنفيذ الاستراتيجيات وتحديد الأدوار والصلاحيات لمجلس الإدارة والرئيس التنفيذي والمدير المالي ومسؤولي التشغيل في تلك الشركات لضمان عدم تضارب المصالح والصلاحيات، كما أن الحوكمة تؤكد على ضرورة الشفافية والوضوح والإفصاح والمصداقية في المعاملات المالية والإدارية، لضمان نزاهة الأرقام والتعامل المالي، ورفع درجة الثقة والاطمئنان لدى ملاك تلك الشركة وشركائها وكذلك للعاملين معها، وبالتالي تكون الحوكمة بمنزلة مؤشر للمخاطر والأزمات المالية للإدارة التنفيذية لتلك الشركات، إذ تساعد الحوكمة على رفع مستوى الاستثمارات وحماية الشركة من الخسائر والأزمات المالية، فتخيل أن أهمية الشفافية والإفصاح في المعاملات المالية والأرقام ومستوى الاستثمارات يساعد الشركة على معالجتها في حال كانت نتائج غير مرضية للملاك بحيث يفعل دور المستثمرين والشركاء والعاملين معها بالمشاركة في اتخاذ القرار مع الإدارة لرفع كفاءة أرباح تلك المنشآت، وما في شك أن الأندية الرياضية في دوري المحترفين تعاني من أزمات مالية وعدم وجود نظام مالي قوي يحميها من المخاطر وتراكم الديون وسوء الصرف المالي الذي يفوق ويتجاوز الدخل والإيرادات ويزيد احتمال القضايا والمنازعات الرياضية القضائية ضد هذه الأندية، مما يجعل الأندية الرياضية عاجزة في الوفاء بالتزاماتها في دفع رواتب العاملين بها من لاعبين محليين وأجانب ومدربين، بسبب عدم وجود رقابة داخلية تسهم في رفع مؤشرات مستوى النظام المالي للأندية الرياضية، وكذلك ليس من المعقول أن يكون رئيس النادي هو القائم بكافة الأعمال الإدارية والمالية والاستثمارية والفنية والرياضية لتطبيق المقولة الإنجليزية (one man show) أي بالعامية - مدير بتاع كله- وهذا يخالف مبادئ الحوكمة، التي تحدد صلاحيات رئيس مجلس الإدارة وكذلك صلاحيات الرئيس التنفيذي وصلاحيات المدير المالي، بحيث يمارس كل شخص مسؤوليات منصبه وفق الصلاحيات المحددة دون تجاوزات، وبالتالي يسهل عملية الرقابة الداخية والمحاسبة على المخالفات والتجاوزات، فليس من المنطق أن يكون دخل وإيرادات الأندية الرياضية يفوق مائة مليون ريال -على سبيل المثال- وتكون الأندية في نفس الوقت مديونة بأضعاف هذا المبلغ. وبدون أدنى شك أن أفضل ممارسة للحوكمة هي التي تم تطبيقها إلزاميًا وقانونيًا على الشركات المساهمة من قبل هيئة سوق المال السعودية، من خلال وجود لائحة الحوكمة الملزمة قانونيًا على الشركات المساهمة التي تهدف إلى تطبيق مبادئ الحوكمة بالشفافية والإفصاح والمصداقية والوضوح وتعزيز الرقابة الداخلية، بحيث يمكن للمساهم الاستثمار في الشركات المساهمة من خلال شفافية الأرقام والإفصاح عنها مما يعطي المساهم معرفة المركز المالي للشركة وتقييم معاملاتها المالية ومستوى المخاطر فيها. حيث مبادئ الحوكمة وفئاتها لكي تنجح في الأندية الرياضية تدور حول الاستراتيجية والقيادة، والالتزام والتحكم والمراقبة، والقوانين واللوائح الداخلية بالنادي، والهيكل التنظيمي للنادي، والإدارة المالية، والإدارة التشغيلية هذا من جانب. من جانب آخر هناك تحديات وصعوبات تواجه تطبيق الحوكمة في الأندية الرياضية فهي تعد جديدة عهد في تطبيق نهج الحوكمة للتغلب على الفوضى الادارية والمالية الموجودة في أغلب الأندية حاليًا، وكذلك عدم وجود قوانين ولوائح داخلية في الأندية الرياضية، وأيضًا ضعف الكوادر الإدارية والمالية والأدوات لتنفيذ منظومة الحوكمة لأن العاملين بالأندية يحتكرون العمل بها لفترات زمنية طويلة مما يسهم في عدم إتاحة الفرصة للعمل من خلال ضخ دماء جديدة، معتقدين أنهم الوحيدون من يفهم العمل داخل الأندية الرياضية مما يجعل هناك صعوبة في الدخول إلى الأندية الرياضية ليتم تطويق الفساد الرياضي داخل تلك الأندية مما يكون عائقًا للحوكمة وتنفيذها، وكذلك تسلط وسيطرة رئيس النادي بكافة الصلاحيات والقرارات تهدد عمل الحوكمة، ولرفع مستوى المركز المالي عدم وجود رأس مال حقيقي للأندية الرياضية أو أصول أو عقارات أو أسهم في الوقت الحالي، يسهم في عدم الإفصاح عن حقيقة المركز المالي للأندية الرياضية وهذا ربما يأتي في الخصخصة مستقبلاً، بخلاف المركز المالي للشركات المساهمة الذي يوضح رأس مال الشركة وأصولها وعقاراتها وعدد الأسهم بها حتى تستطيع الحوكمة على حمايتها ورفع درجة المخاطر عند الاستشعار بوجود أزمة مالية تقترب من الوقوع. لذلك نؤكد أن الحوكمة مهمة جدًا للأندية الرياضية ونشكر الهيئة العامة للرياضة على هذه المبادرة الرائعة التي سوف تهدف إلى نقلة نوعية في الأندية الرياضية بدوري المحترفين، ولكن في نفس الوقت فإن حوكمة الأندية صعبة جدًا في التنفيذ والتطبيق على النادي حتى يتمكن في الحصول على مبلغ الدعم (20) مليون ريال.