من المتعارف عليه أن الأزمات المالية والانهيارات الاقتصادية التي شهدها العالم وخاصة شرق آسيا وأمريكا الجنوبية وروسيا في الأعوام 2002، 2001 ،1997 كانت بسبب الفساد المالي والإداري ونقص الشفافية وعدم وجود أنظمة رقابية سليمة تحكم العمل في الشركات، لقد أدت هذه العوامل إلى أزمات مالية تكبد على أثرها الكثير من المساهمين وملاك الشركات خسائر فادحة أفقدت الثقة والمصداقية لبعض الشركات؛ ما دفع الكثير منهم إلى البحث عن أسواق وشركات آمنة تطبق مفهوم حوكمة الشركات وكان للولايات المتحدةالأمريكية نصيب الأسد من استقطاب رؤوس هذه الأموال. وقد ساهم كل من صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادية والتنمية إلى تشجيع الدول والشركات على اتباع معايير فعالة لحوكمة الشركات لضمان الشفافية والعدالة والكفاءة في الأسواق المالية والوحدات الاقتصادية. العولمة وتحرير الأسواق المالية، ونتيجة لتطبيق العولمة وتحرير الأسواق المالية وتطبيق مفهوم الاقتصاد الحر أدى إلى أرباح عالية وإيجاد فرص استثمارية للشركات التي تبنت هذه المعايير والأنظمة العالمية، ولضمان الاستمرارية وتحقيق الاستدامة فقد فكرت الكثير من الدول والشركات بعمل أسس ومعايير تضمن تطبيق الشفافية والعدالة والمراقبة المالية والإدارية وهو مايسمى بحوكمة الشركات. تطبيق حوكمة الشركات في المملكة، ففي عام 2006 أصدرت هيئة السوق المالية لائحة حوكمة الشركات ليتم تطبيقها على جميع الشركات المدرجة في السوق المالية السعودية. سواء كانت هذه الشركات تهدف لحماية المساهمين والمؤسسات والارتقاء بمستوى إدارتها وتعزيز أدائها وقدرتها المالية، ومواكبة تطبيق أفضل الممارسات العالمية المعمول بها في الأسواق المالية، وتنظيم سوق الأوراق المالية في المملكة لتحقيق العدالة والشفافية والتنافسية وحماية العاملين فيه من أجل خلق بيئة استثمارية ملائمة، ولا سيما بعد انهيار عدد من الشركات الأمريكية الكبرى مثل شركة إنرون وورلد كوم المحدودة بسبب ضعف الحوكمة والرقابة الداخلية. حماية سوق الأسهم تعتبر لائحة حوكمة الشركات صمام الأمان لحماية سوق الأسهم والاستثمارات من التعرض للخسارة بسبب سوء استخدام السلطة وللحد من حالات تضارب المصالح، وكذلك لتحديد حقوق ومسؤوليات مجلس الإدارة والمديرين والمساهمين في الشركة. بالإضافة إلى تمكين المساهمين من الحصول على المعلومات المطلوبة بشفافية وعدالة، وإلزام جميع الشركات المدرجة في السوق المالية بأن تكون السياسات والإجراءات والأنظمة مكتوبة ومعروفة للجميع. لماذا حوكمة الشركات؟ حوكمة الشركات هي أنظمة ولوائح لمتابعة أداء مجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين ولجنة المراجعة وتحكيم الرقابة الداخلية والفصل بين الملاك والإدارة والمساهمين وتوفير العدالة والشفافية في الشركة؛ مما يساهم في جذب المستثمرين وكسب ثقتهم والاطمئنان على استثماراتهم في الشركة وخاصة أن معظم المديرين التنفيذيين للشركات ليسوا ملاكا في الشركة فلربما غلبت مصلحة المدير الشخصية على مصالح الملاك والمستثمرين. لذا حوكمة الشركات تضبط العلاقة بين إدارة الشركة وملاكها والمساهمين وجميع الأطراف الأخرى فوائد الحوكمة هناك العديد من الفوائد الأساسية لحوكمة الشركات تتحدد حسب القطاعات ومنها: رفع مستوى كفاية الاقتصاد وتطوير البيئة الاقتصادية لتجنب حدوث هزات أو أزمات مالية مستقبلية وللمساعدة على استقرار الأسواق المالية ورفع مستوى الشفافية وجذب الاستثمارات من الداخل والخارج والحد من المخاطر، خلق بيئة عمل تساهم في تحقيق أداء أفضل مما يعطي قيمة اقتصادية أكبر للقطاع الخاص خصوصا الشركات المدرجة بسوق المال، حماية الاستثمارات من الخسارة وتحقيق عوائد استثمارية أكبر والحد من تضارب المصالح، بناء علاقات وثيقة وقوية بين إدارة الشركة والعاملين بها والموردين للإسهام في رفع مستوى أداء الشركة وتحقيق أهدافها. وفيما يلي بعض مبادئ الحوكمة: حقوق المساهمين لكل مساهم الحق بالتصويت حسب عدد الأسهم التي يملكها سواء كان مرشحا واحدا أو تقسيمها بين المرشحين، ويحق له التصويت حضوريا أو التصويت عن بعد دون الحاجة لحضوره لمقر انعقاد الجمعية، وضمان حقوق المساهمين في الحصول على نصيبهم من الأرباح التي توزعها الشركات، وكذلك نصيبهم من موجودات الشركة في حالة تصفيتها، وضمان حقهم في حضور جمعيات المساهمين والمشاركة في التصويت على القرارات والتصرف في الأسهم، وحقهم في الاستفسار وطلب معلومات عن الشركة. الإفصاح والشفافية تم وضع قواعد لضمان الإفصاح والشفافية التي من أهمها سياسة توزيع الأرباح، وسياسة تعارض المصالح، وسياسة حظر التداول، وحماية الأطراف ذات العلاقة، وسياسة الإفصاح في تقرير مجلس الإدارة، وسياسة سرية المعلومات والتي بموجبها يحق للمساهم الحصول على معلومات عن الشركة بشفافية وعدالة ولابد من مجلس إدارة الشركة من عرض تقرير عن السنة المالية الماضية يوضح فيه جميع عمليات الشركة والعوامل المؤثرة التي تساعد المستثمر على تقييم أصول ووضع الشركة المالي. اختيار مجلس الإدارة هناك أنظمة ولوائح تحكم عمل مجلس الإدارة والتي من أهمها تكوين مجلس الإدارة، والوظائف الأساسية للمجلس، ومسؤوليات وصلاحيات مجلس الإدارة، وآلية اجتماعات وجداول أعمال المجلس، ومكافآت أعضاء المجلس، ولجان مجلس الإدارة واستقلاليتها. مخالفات حوكمة الشركات في السوق المالية السعودية: بلغ عدد مخالفات حوكمة الشركات نحو 43 مخالفة خلال العام المنصرم 2013 بحسب تقرير هيئة السوق المالية السعودية، فقد جرى تسجيل نحو 39 مخالفة تلاعب وتضليل خلال تداولات العام الماضي، فيما بلغ حجم مخالفات ممارسة أعمال الأوراق المالية دون الحصول على ترخيص من الهيئة نحو 39 مخالفة، هذا وقد قامت هيئة سوق المال خلال هذا العام 2014 بمعاقبة عدد من الشركات المخالفة للوائح حوكمة الشركات وكان آخرها عدد 6 شركات في شهر مايو للعام الحالي. حوكمة «العائلية» تلعب الشركات العائلية دورا استراتيجيا هاما في النمو الاقتصادي للمملكة وهي جزء لا يتجزأ منها، حيث إن حوالي 70 % من مجموع الشركات في المملكة شركات عائلية وبالتالي فإن خسارة أي شركة هي خسارة لاقتصاد الدولة وأفراد المجتمع، ولأهمية ترسيخ أنظمة وقوانين تؤدي إلى استقرار الأسواق المالية والاقتصادية سواء كانت شركات خاصة أو شركات مساهمة، ومن هذا المنطلق أصدرت وزارة التجارة والصناعة دليلا لحوكمة الشركات العائلية وميثاقها الاسترشادي بهدف تنظيمها من جميع النواحي الإدارية والمالية والقانونية وفصل السلطة الإدارية عن حقوق الملكية بما يضمن استمرارها ونجاحها، بغض النظر عن موت المؤسس -لا سمح الله- وعدم توزيع رأس المال على الورثة، وبما يكفل انتقال حصص الشركة إلى أجيال أخرى وضمان حقوق الشركاء والمساهمين في الشركة. خلاصة الأمر، أن حوكمة الشركات نظام عالمي مطبق في العديد من دول العالم. بادرت هيئة السوق المالية في المملكة بوضع نظام ولوائح ومعايير مستقلة عن المعايير الدولية لتطبيقها على السوق الأسهم السعودية لتفادي الأزمات أو الانهيارات المالية والاقتصادية لضمان حقوق ملاك ومساهمي الشركات وخلق بيئة مستدامة لنمو رؤوس الأموال وضمان تدفق الاستثمارات الداخلية والخارجية، إضافة إلى قيام وزارة التجارة والصناعة بإصدار دليل حوكمة الشركات العائلية وميثاقها الاسترشادي لتكتمل المنظومة المالية والإدارية والقانونية لحوكمة الشركات.