كثيرًا ما راودني سؤال كلما اتخذت من الوقوف عن الكتابة قليلا من الوقت هل حقيقة أنني أتوقف عن الكتابة في الأيام التي أغيب فيها عن قرائي الأعزاء؟!.. والساعة لا تتوقف، والأيام ماضية، والحياة دائمة في الكون، والأرواح باقية في أوعيتها طالما لم تنطلق لفضاءاتها الخالدة.. بعث «عبدالإله» هذا السؤال للمثول خارج ذاتي حين أجدني إليكم لنواصل مسيرة الحديث معا، وإن كان حديثنا بصوت الحروف يحلق بأجنحة الكلمات، ويتطوف فينا ببوصلات المجازات، وإيحاءات المعاني، وكل منَّا في منأى عن الآخر!!.. «عبدالإله» شاب نابه نشط، دؤوب، كالمصباح في إدارة مكتب رئيس التحرير، هاتفني يستحث «لما هو آت» أن يأتي، أن تقف الكلمات في مكانها في الجانب الأيمن من الصفحة السادسة للجزيرة الصحيفة.. هذه الكلمات التي لم تبخل بالمطر.. عشرون عاما في «الجزيرة»، وتارات أقف على مشارف السكوت.. غير أن القلم شقي بالمحبرة، والمحبرة يمدها بحر لجيّ، وكل الذي تهدر به الموجات، ويموج به مدُّها، وجزْرها في صالح القراطيس ولكن؟!.. مع أن الكتابة غدت اليوم للكاتب ذاته، إذ قارئ اليوم ليس هو قارئ الأمس، إلا الندرة!!؛ فقارئ اليوم حاضر في الشتات، موغل في التشظي، على حافة كل حافة، وعند ثغر أية ريح !!.. بينما الكتابة روح تجول في كون شاسع من الرؤى، والأحلام، والقضايا، والأفكار، والمنطلقات، والاستشرافات، تنحت من جذور، وتقد من أشجار، وتشرب من عيون، وتمنح من عروق، وتستمد من شرايين.. أقف أمام آنية العسل وقد دُلِقت، والأجنحة الخضراء وقد كُسرت، والشفاه الباسمة وقد بهتت.. والأصوت الواضحة وقد غُمغمت.. والقراطيس من ورق قد جفت في مهب ريح أوارها زادا، والأحبار الندية في «الإلكترون» رسما هلاميا متفلتا.. وأعيد اجترار الأسئلة،.. إذ ثمة حاجة لأن يكون للسؤال حضور يليق بالكتابة، يتهيأ لما هو آت.. طال الدرب، أو قصر!!.. ... بلى يا «عبدالإله»، ثمة أجنة في المحبرة يا بني تتأهب للميلاد..