ظلت المملكة حريصة على تنويع علاقاتها الدولية السياسية، والاقتصادية والعسكرية، فالعالم اليوم متشابك ومتعدد، والمملكة تحرص على تعزيز تحالفاتها الدولية بما يحقق مصالحها، واستقرارها وبما يعزز دورها العالمي، معتمدة بذلك على إمكاناتها التأثيرية العالية، التي جعلتها عضوًا مهمًا في مجموعة العشرين، إضافة إلى العقلانية، والحكمة السياسية التي تتمتع بها، مما جعلها دولة ذات حضور عالمي مميز، يحسدها عليه بعض الدول الإقليمية. وروسيا بلد مصدر للنفط، ومنافس في الأسعار، ولها حضورها في الأسواق العالمية، ولا يمكن ترك أمر روسيا نفطيًا دون التفاهم معها، ويتطلب ذلك سياسة موازية، لمنع روسيا من الاستفادة من بيع نفطها بأسعار رخيصة، فعدم التزام روسيا بحصص سوقية معينة دفع المملكة إلى تكوين علاقات سياسية، واقتصادية مع روسيا، للحفاظ على أسعار النفط، وكميات إنتاجه، وقد نجحت المملكة في رسم معادلات يحترمها الجميع. وهناك تفاهمات واتفاقات بين المملكة، وروسيا أدت إلى حدوث عديد من اللقاءات، والاجتماعات التشاورية بين الجانبين، ومن مؤشرات هذا التفاهم المؤتمرات التي عقدت هذه الأيام، التي قد تكون ثمرة لتعاون سياسي، وتجاري واقتصادي، وإستراتيجي مستقبلي، فكلا البلدين بحاجة ماسّة للتعاون، ولعل موسكو تدرك أهمية التعاون مع الرياض في مجال النفط، وفي حل الأزمات السياسية في المنطقة. فالمملكة وعلى خلاف غيرها من الدول الإقليمية، بلد آمن ومستقر، ومختلف عن دول إقليمية أهدرت ثرواتها الاقتصادية، وتراجعت عوامل التنمية فيها لصالح بناء نفوذ إقليمي أدى إلى زعزعة الأمن، والاستقرار في المنطقة، فزيارة الملك سلمان، وسمو ولي عهده الأمين -يحفظهم الله- لروسيا تعد من أبرز الزيارات الناجحة، لكونها خطت طريقًا جديدًا في العلاقات السعودية الروسية، وجاءت ضمن سياسة تنويع العلاقات الإستراتيجية. وأيضًا زيارة الرئيس الروسي القادمة للمملكة، تعني بأن هناك تصاعدًا إيجابيًا، واستمرارًا لهذه العلاقة التي ظلت اقتصادية الطابع، لكنها أيضًا تحتمل إمكانية التعاون في مجالات عسكرية وأمنية، فالمملكة لديها قراءة دقيقة لحجم التحولات السياسية والاقتصادية العالمية، وتدرك حجم التوازنات والصراعات، والنفوذ على عوامل القوة الاقتصادية والنفطية في العالم، وأهمية الغاز في المعادلات الجيوسياسية. هناك حرص من كلا الطرفين على رفع التبادل التجاري، والتعاون الأمني لمواجهة الإرهاب والتطرف وحل للقضية الفلسطينية، والأزمة السورية، ودعم وحدة العراق، ومواجهة تنظيم داعش الإرهابي ودعم جهود المبعوث الأممي إلى اليمن على أساس المبادرة الخليجية، وكذلك القضية الليبية، ودعم جهود الأمن، والاستقرار في المنطقة. ولا يفوتنا في هذا المقام ما أطلقه أخيرًا رجل الأعمال طلال ابوغزالة على هامش منتدى بطرسبيرج الاقتصادي الدولي، الذي أكد وجود أزمة اقتصادية عالمية عام 2020م، وتأكيده على أهمية الاقتصاد الروسي، والصيني والهندي في السنوات القادمة، وضرورة التعاون مع هذه الاقتصادات المستقرة في مواجهة التحديات القادمة، وعليه يفترض العمل على تطوير، وتنمية العلاقات الاقتصادية السعودية - الروسية، والاستفادة من الفرص المتاحة.