بعد كل هذه السنوات التي استحوذ فيها الرجل في التنظير والأدب في الكتابة عن شؤون المرأة والتوغل لأعماقها ونفسيتها. بعد أن أزيحت المرأة عن ساحات عدة، بسبب سطوة المتشددين الدينيين على ثقافة المجتمع وإرادته آنذاك. بفعلهم جميعًا أزيحت المرأة، وبقي كرسيها شاغرًا. استحوذ الرجل على كل شيء تقريباً، كل تلك الساحات، ليست الرياضية ولا الفكرية ولا الإدارية فقط. بل حتى أكثر المؤلفات المرجعية والقصائد والأعمال الأدبية التي تتحدث عن الأنثى ومشاعرها وحاجتها وتطلعاتها قام بها الرجال على لسان امرأة. اليوم بعد موجة التغيير الكبرى التي رفعت سقف التطلعات عالياً، بعد الانتصار للمرأة في كثير من الأنظمة والتشريعات. بعد أن أُعيدت للمرأة جُل استحقاقاتها. وأصبحنا نحن النساء أكثر تمكينًا، الفرص تتوالى، والأبواب مفتوحة، وتلاشت أغلب العوائق. وأصبح الجميع رجالاً ونساءً، مرحبًا وفخورًا باستعادة المرأة لدورها الطبيعي في المجتمع وفي مواضع قيادية مهمة أيضًا. في الوقت الذي يفترض بالمرأة أن تقدم الشكر لكل تلك النساء اللواتي صار عن الجهل في عصوره الأقوى، وأضأن كالنجمة البعيدة التي تصارع الظلام. تلك النساء اللواتي بذلن كل ما لديهن لحلحلة الأفكار المتكلسة في عقول بعض الأسر أو وقفن في نواد أدبية على منصات منفصلة تنقل صوتها للرجال عبر نظام صوتي، لأن وجودها بين الرجال كان محظورًا. لكل امرأة قدمت في الإذاعة أو التلفزيون، وتحملت محاربة بعض الرجال وتهمهم آنذاك. إلى كل تلك النساء اللواتي عانين الشتم والقذف لأنهن فقط أردن للمرأة أن تشغل مكانها الطبيعي في المجتمع. بدلاً من أن نشكر تلك النساء اللاتي بذرن أول بذور الوعي في عقولنا، بأقلامهن، بأشعارهن، بالفنون، بالغناء، بالفكر. بدرية البشر مثلاً، فوزية أبو خالد، هدى الدغفق، أشجان هندي، رقية الهويريني، مريم الغامدي، والكثير الكثير من النساء في بلادي، كان لهن الفضل بتقديم المرأة بأرقى وأجمل الصور. كاتبة، شاعرة، فنانة، مقدمة برامج، منظرة، مفكرة. بدلاً من شكرهن والسعي لتعويضهن عن تلك السنوات التي جابهن فيها أعداء الفن والفكر والجمال. إنني أتذكر تلك اللحظة التي وقفت فيها الشاعرة أشجان هندي لأول مرة في منصة النادي الأدبي في الرياض، كان ذلك ليس بعيدًا، حينما قالت: لقد وقفت في منصات كثيرة في عواصم العالم وبلدانها، لكن وجودي اليوم في منصة بلادي له شعور مختلف وفرحة لا توصف. أين هؤلاء الرائعات اليوم؟ لم نشكرهن كما يجب، وتركنا المكان شاغراً. لتأتي فئة مجهولة من النساء لتختطف الساحة، وتقديم نفسها كممثلة للنساء في السعودية! فئة منحرفة تقدم أنموذجًا بشعاً عن نساء السعودية، ليرغمن أنوفنا رغماً على تقبلهن. ليس بالمنطق والإقناع، بل بكل أنواع الترهيب الفكري، من شتم وقذف وتهم، وسخرية، هذه هي أسلحتهن لفرض أنفسهن في المجتمع كممثلات للنساء!! وإنني أطرح سؤالاً هنا: هل هذه هي المرأة السعودية؟ أنموذج فتاة ضاربة بالقيم والأخلاق والدين عرض الحائط، امرأة متنكرة لوالديها، أسرتها، إخوتها. كارهة لكل شيء نظامي. سعار نسوي جامح يريد أن يحطم كل شيء من أجل شهواته! قنبلة متفجرة من الشتائم والسباب والضحالة الفكرية والخطاب الشعوبي السطحي الأقرب ما يكون من لغة الشوارع! لم تطرح النسوية المزعومة، على يد منتسباتها، استراتيجية ولا حلولاً ولا طرحًا رصيناً. كل ما فعلته أنها اختطفت جهدًا من سبقونا من نساء بلادي، وألغت مدادًا طويلاً من التنوير والإبداع والفن والكتابة، لتحل مكانه بالشتائم! وبكل ما تدعوا إليه من دمار وتحلل. بشعارات فارغة. مثل «جسدي ملكي»، أو «أنا حرة»، أو «لن أزيل شعر يدي»! ما ذاك؟ والأهم من هذا كله، أنها قدمت المرأة السعودية على أنها مقهورة في بلادها، معنفة، مهانة وبلا قيمة. إنني متفائلة بأن هذه الحركة مجرد فقاعة، ستنفثئ قريبًا، ويتخلى عنها أعضاؤها من الفتيات المغرر بهن. بل مؤمنة بأن عمرها قصير، لأسباب عدة، منها أنها فشلت في كسب المؤيدين. يمكنك أن تلاحظ هذا حين تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، بأن رافضي هذه الحركة هم الأغلبية الساحقة، أما مناصروها فهم إما معرفات وهمية، أو رجال يطمحون لبعض المكاسب المتفرقة. لم تحقق النسويات لليوم أي مؤازرة شعبية ولا نخبوية من أشخاص لهم ثقلهم الثقافي أو المعرفي. أغلبية الملتفين حولهن من المتمصلحين الوصوليين أو المخدوعين والمراهقين. سبب آخر: إنه يفترض لممثل المرأة أن يكون امرأة كاملة كما خلقها الله. منطقياً، كيف يمكن لامرأة ترفض أنوثتها وتتشبه بالرجال بل بأسوأ أنموذج للرجال، وتريد تمثيل النساء الطبيعيات!! لماذا لا يخترن اسمًا يليق بهن؟ بدلاً من اقتحام كلمة «امرأة»؟ إنني هنا أدعوا نساء بلادي القديرات، أن يتقدمن للصفوف الأولى، ويقدمن أنموذجًا راقيًا وفخورًا وحقيقياً عنا، وأن يمثلننا كما نحن. قبل أن يشغلن هؤلاء المجهولات الساحة، ويصدق العالم أن المرأة السعودية مجرد سلعة فارغة، فمها محشو بالشتائم.