تخونني الكلمات.. وتستبقني العبرات شوقاً لذاك الوادي، لتلك الجارة التي عشقت عينيها الحانية من الشرفة.. ها هناك.. فعلى حافة ذلك النهر تتسابق خصلات شعر طفولتي المتطايرة مع نسيم عليل.. فأسابقه لأسبق الحمام، واليمام، والكنار.. لأسبقهم إلى تلك الصفصافة بين أشجار الزعبوب والدلب والتين.. وبين شقائق النعمان والنرجس والياسمين.. كم انتظرت صوت جريانه في الربيع.. ولكم أطبقت عيني كل ليلة على برودة الشتاء.. وعلى أمل لقائه عند الفجر.. وقد حمل لي ثلج تلك الجبال التي تعانق روحي كل صباح؛ ليصدح في أذني خرير مياهه وفرحة الجارة وسرور الوادي بنا بعد طول الانتظار..! أتردد على الشرفة لأقتنص أمنيتي بسماع صوته، أو بأن تفك تلك الشرفة قيودي؛ لأعود طفلة أطارد الفراشات بين الشرفات! فما زلت أتردد إليها.. ألثمها.. أحضنها.. أرعاها.. أخالط منها خضرة الحقول، وأطأ بعيني مياه النهر الذي جرف ذات يوم أحلى مفاجآت العمر.. الهدية التي شغلت عنها بتشكيل بيت أحلامنا الطيني على حافة النهر! ما بين الشرفة والوادي.. ما زلت أصحو على صوت صويحباتي: هيا، هيا.. سبقناك..! أسمعهن ينادينني من الوادي: تعالي لنلعب البيوت.. تعالي.. لنكبر قليلاً.. لنكون أخواتنا الكبيرات.. وأمهاتنا.. هيا يا فيروز.. أسمعهن فأركض إلى الشرفة، فهي المكان الذي أطل منها على أسطورة الوادي وهي تغزل من خيوطها الحريرية جماليات ذلك الحلم، وحولها الفراشات تعاود رقصها على غناء صويحباتي الذي ينبعث من بيوت الطين الصغيرة على ضفة النهر إلى جيرة الوادي.. لكنها لغة الكلام عندما تتلعثم في حنجرتي.. تمنعني أن أغني لهن قصيدة يا جارة الوادي.. لأفيق من سحرها بسلام..! ** **