لم أشاهد لقاء الشيخ عايض القرني مع الزميل عبدالله المديفر، ولكنني اطلعت على بعض مقاطع الفيديو، التي أرسلها لي بعض الإخوة، بحكم أنني كنت ممن كتب وانتقد الصحوة ورموزها منذ سنوات طويلة، وكان أبرز ما شاهدت هو نقد الشيخ لمرحلة الصحوة، بل واعتذاره للمجتمع عن بعض تجاوزاتها، التي سببت الكثير من الإزعاج، وغني عن القول إن الشيخ كان أحد أبرز رموز تلك المرحلة، واعترافات الشيخ أمر يحمد له بلا شك، رغم يقيني أن الحديث عن تلك المرحلة وتداعياتها على المجتمع، يحتاج إلى جهد، يتجاوز لقاء تلفزيوني عابر، ويكون عن طريق مختصين وبمنهجية علمية صارمة. هذا، ولكنني سأتطرق لجزئية من تلك التداعيات، بحكم أنني كنت من ضمن الذين كتبوا وتحدثوا، من خلال مقالات كثيرة، في جريدة الحياة، وفي هذه الصحيفة الموقرة، وكانت أطروحاتي في معظمها تنتقد بعض السلوكيات المتشددة، التي مارسها رموز الصحوة، خصوصًا ما يتعلق بالمناكفة والتحريض. لقد عانيت، كما عانى غيري من الكتّاب والمثقفين، صلفا شديدا في تلك المرحلة، وتم تصنيفنا ووصفنا بما لا يصح ذكره هنا، وأذكر في هذا الإطار أنني كتبت مقالا في هذه الجريدة، تناولت فيه أحد رموز الصحوة بالنقد، وتم نشر المقال في عدة مواقع إلكترونية لاحقًا، وكانت معظم التعليقات تفتقد للعقلانية والحد الأدنى من الأدب، ومليئة بالشتم والاتهامات، وأذكر أنني تواصلت حينها مع المشرف على أحد هذه المواقع لأستطلع الأمر، بعد أن وصل عدد التعليقات على المقال قرابة الألف تعليق، كلها تقريبا مسيئة لشخصي، وكم كانت دهشتي عندما أبلغني المشرف أنه منع نشر آلاف التعليقات الأكثر سوءًا، ما يعني أن ما سمح بنشره كان هو الأرقى والأفضل!، وهذا فقط مثال بسيط عن ماهية الصلف، الذي عاناه الكتّاب، الذين قرروا مجابهة تشدد الصحوة، والدفاع عن قرارات الدولة التنموية الجريئة، التي كان الصحويون يعارضونها!. تخيل أن التصنيف والشتم والاتهامات الباطلة، وتلك الحملات الشرسة، التي تم إطلاقها ضد كتّاب التنوير، الذين قرروا مواجهة سطوة الصحوة، كانت بسبب دعم عمل المرأة، أو المطالبة بقيادتها للسيارة، أو مؤازرة قرار الدولة بدخول السيدات لمجلس الشورى، ولن تصدق إذا قلت لك أنني واجهت هجومًا شرسًا، بعد أن كتبت مقالا أشيد من خلاله بقرار تمكين المرأة من العمل في محلات بيع المستلزمات النسائية!، كما لن تصدق أن هجمة محمومة تم توجيهها، بعد أن انتقدت أحد دعاة الصحوة، وأشرت إلى حقيقة أنه رجل أعمال ثري، يستغل تسهيلات الدولة لتعزيز تجارته، وفي ذات الوقت، لا يتوقف عن مناكفتها، وإذا كان شيخنا الفاضل عايض القرني قد اعتذر للمجتمع عن تجاوزات الصحوة، فمن يا ترى سيعتذر لنا، نحن معشر الكتّاب، بعد كل الصلف والجور والاستعداء الذي لحق بنا، وكانت جريمتنا هي أننا واجهنا سطوة الصحوة، في أوج تمكّنها، بكل شجاعة؟!. يُحسب للشيخ عايض شجاعته وتراجعه، وعلى البقية أن تحذو حذوه