حين كتبت مقالتي هنا، الأربعاء الماضي، تحت عنوان (الصحوة والربيع العربي) أعلنت في مطلع المقالة أن لديّ عنواناََ آخر فائضاً للمقال ذاته هو: (الصحوة ... بعيون فرنسية) باعتبار أنني كنت أتناول كتاب الباحث الفرنسي ستيفان لاكروا عن الصحوة، الذي ينزل هذا الأسبوع إلى الأسواق. لكن التعقيبات والتعليقات التي جاءت على مقالي السابق أنقذتني من مأزق «التفرنس» النقدي للصحوة، ليس هروباََ من رؤية «الآخر» لنا ولكن قناعة مني بأن أهل مكة أدرى بشعابها ... بشرط! هذا الشرط هو أن يكون «أهل مكة» قادرين على الحديث عن وعورة شعابهم من دون أن يمنعهم أحد! وأرمي هنا إلى ما كتبه قبل سنوات الباحث السعودي الجاد عبدالعزيز الخضر، وهو صاحب الكتاب الضخم حجماََ وأهمية (السعودية ... سيرة دولة ومجتمع)، إذ أشار في معرض نقده للصحوة الى أنها «لم تخرج أي رموز فكرية نقدية من داخلها لا تجامل أخطاءها واحتفظت بمكانة جيدة عندها، لأن روح الرفض هي الأساس، والرأي العام عند هذا التيار أن أي ناقد هو ضد الخير والدين ومغرض». لكن الخضر يقتنص أبرز محاولة نقدية وُوجهت بها الصحوة وهي الحرب الكلامية التي اشتعلت بين غازي القصيبي وبعض رموز الصحوة في عقد التسعينات أثناء أزمة الكويت. يصف الباحث السعودي تلك المحاولة بأنها كان من الممكن لها أن تشكل انطلاقة نقدية لمعالجات متعددة عند مختلف الأطياف .. لولا أنها أُجهضت. وسأخالف هنا الخضر في أنني أعدّ تلك الحرب الكلامية انطلاقة «جزئية»، وإن لم تكن كاملة، لكسر «تابو» نقد الصحوة ورموزها، باعتبار ما سبق أن أشرت إليه في مقالي السابق لهذا، بأن شعلة الصحوة بدأت تخبو بالفعل في النصف الثاني من التسعينات بعد أن «التهبت» في النصف الأول منه! سعودي آخر «مجرّب» وخبير وناقد، هو الدكتور حمد الماجد، أشار في مقالته التي نشرها يوم أول من أمس الاثنين في صحيفة «الشرق الأوسط» وعنونها بنفس عنوان مقالتي لكنه تعمّد أن يضيف كلمة «الإخوان»، ليصبح عنوانه (الصحوة والاخوان والربيع العربي) باعتبار أن فكرة مقالته تقوم على تقويض الأساس الذي انطلق منه الباحث الفرنسي لاكروا من أن الصحوة نشأت وترعرعت على أيدي «الاخوان المسلمين». يرى د. الماجد أن «الصحوة جهد بشري ضخم شاركت فيه فصائل إسلامية متنوعة وحكومات وأفراد مستقلون وحركات تحرر، باختصار ... الصحوة مثل ثورات الربيع العربي، جهد كبير شارك فيه الكل، ولا يمكن لأحد أن يدّعي احتكاره له». «الصحوة « تعرضت في الماضي القريب إلى كتابات نقدية سعودية قليلة ونادرة، لكن من المتوقع أن تزداد هذه الكتابات والدراسات الآن، بعد أن تضاءل حجاب المنع الشعبي وتوافر الترحيب الرسمي. الباحثون السعوديون بلا شك أقدر من غيرهم على تشريح الصحوة ونقدها وذكر محاسنها ومساوئها .... وليس مساوئها فحسب. وسيكون الأقدر على مزاولة هذا النقد من الداخل هم الصحويون أنفسهم، لكن تحديداََ الصحويون الذين كانوا منتمين لا منغمسين ومتورطين في تجاوزاتها التي وقعت خصوصاََ في مطلع التسعينات، حتى لا تصبح مراجعاتهم النقدية للصحوة هي تصفيات وتشفٍّ وثأر من تورطات لا يمكن تعميمها على كل الصحويين. ويجدر التنويه هنا، ختاماََ، للتخفيف على بعض المحتقنين من هذا النقاش، أن «الصحوة» ليست هي المرادف للإسلام أو التدين. «الصحوة» هي اسم لمرحلة دينية أو تديّنية مرت على المنطقة، فزوالها لا يعني زوال الدين أو التدين، وحتى لو غاب التدين، وليس الدين، عن المجتمع لمدة زمنية معينة كما حدث في زمن ما قبل الصحوة، فإنه يمكن أن يعود مرة أخرى لكن تحت مسمى آخر. هل تريدون أن نفكّر في الاسم الجديد من الآن؟! * كاتب سعودي [email protected] Twitter׀@ziadaldrees