«... وفيها قبة عظيمة بيضاء كبيرة الحجم فطلعنا نتفرج عليها وإذا هي بيضة رخ كبيرة، فلما طلع التجار إليها وتفرجوا عليها ولم يعلموا أنها بيضة رخ فضربوها في الحجارة فكسرت ونزل منها ماء كثير.....» التحديات والتغيير في حكايات ألف ليلة وليلة نوعت شهرزاد في حكايات الليالي لتشوق وتثير شهريار، وتنقلت فيه بين حكايات الناس والجن والحيوانات الخرافية لتتحكم فيه، وكان معينها الفني ثري بالحكايات وعقلها متفتح بالروايات بارعت في الإثارة والتشويق والمفاجآت والغرائبية، وصحبت السندباد البري والبحري في حكاياتهم ومغامراتهم المتعددة والمثيرة لتحافظ على جمال السرد ولذته طوال السنوات الثلاث. وكلما طالت حكايات وسرد شهرزاد، كلما زادت التحديات والصعوبات على شهرزاد، ولأنها امرأة مثقفة وحكيمة، بل عبقرية تقودها إستراتيجيتها من خلال (رؤيتها ورسالتها وأهدافها ) القصيرة والطويلة إلى نهاية سعيدة، كانت تأملها وتتطلع إليها من خلال استجابة شهريار وافتتانه وإصغائه للقص والسرد الجميل والمتواصل في عبر الليالي، هناك متعة مشتركة بين شهرزاد وشهريار، هي تمتعه بالحكايات والسرد، وهو يمتعها بالإصغاء والمتابعة والفراش والانتظار، متعة مشتركة وليال ممتعه ومشوقه وحكايات تتوالد وتتقطر كعسل النحل. نموذج التشويق في حكايات السحر والجن والعفاريت وتواصل شهرزاد الحكيمة سردها عن قصص نسب الإنس والجن ففي (حكاية الليلة 795) تقول شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أنه قال لها سيف الملوك يا دولت خاتون إنك إنسية وهي جنية فمن أين تكون هذه أختك؟ فقالت له إنها أختي من الرضاع، وسبب ذلك أن أمي نزلت تتفرج في البستان فجاءها الطلق فولدتني في البستان وكانت أم بديعة الجمال في البستان وهي وأعوانه فجاءها الطلق فنزلت في طرف البستان وولدت بديعة الجمال وأرسلت بعض جواريها إلى أمي تطلب منها طعاماً وحوائج الولادة، فبعثت إليها أمي ما طلبته وعزمت عليها فقامت وأخذت بديعة الجمال وأتت إلى أمي فارضعت أمي بديعة الجمال ثم أقامت أمها وهي معها عندنا في البستان مدة شهرين وبعد ذلك سافرت إلى بلادها وأعطت أمي حاجة وقالت إذا احتجت إلي اجيئك في وسط البستان، وكانت تأتي بديعة الجمال مع أمها في كل عام ويقيمان عندنا مدة من الزمان ثم يرجعان الى بلادهما، فلو كنت أنا عند أمي يا سيف الملوك ورأيتك عندنا في بلادنا ونحن مجتمع شملنا مثل العادة كنت أتحيل عليها بحيلة حتى أوصلك إلى مرادك، وأدرك شهرزاد الصباح فمسكت عن الكلام المباح (ألف ليلة وليلة، دار العودة، 1988 ، ص 1222) وفي حكاية 796 قالت شهرزاد:» بلغني أن دولت خاتون قالت للعفريت حاتم: أنا ما بقي لي أحد غيرك إلا الله وأنا ما دمت بالحياة لم أزل معانقة لروحك وان كنت أنا ما أحفظ لروحك واضعها في وسط عيني فكيف تكون حياتي بعدك ، وإذا عرفت روحك حفظتها مثل عيني، فعند ذلك قال لي: حين ولدت اخبرني المنجمون أن هلالكي يكون على يد واحد من أولاد الملوك الإنس، فأخذت روحي ووضعتها في حوصلة عصفور وحبست العصفور في حق ووضعت الحق في علبه ووضعت العلبة في سبع علب من جانب هذا البحر المحيط لان هذا الجانب بعيد عن بلاد الإنس، وما يقدر أحد من الإنس يصل إليه ... « (ألف ليلة وليلة، حكاية الليلة 796، دار العودة، ص 1223) وفي حكاية الليلة 797 قالت شهرزاد: «بلغني أيها الملك السعيد أن دولت خاتون لما خبرت سيف الملوك بروح الجني الذي خطفها وبينت له ما قاله الجني إلى أن قال لها وهذا سر بيننا، قالت فقلت له ومن أحدثه به وأنا ما يأتي إلي أحد غيرك حتى أقول له، ثم قلت له والله أنك جعلت روحك في حصن حصين عظيم لا يصل إليه أحد، فكيف يصل إلى ذلك أحد من الإنس حتى لو فرض المحال وقدر الله مثل ما قال المنجمون فكيف يكون أحد من الإنس يصل إلى هذا؟ فقال ربما أحد منهم في إصبعه خاتم سليمان عليها السلام ويأتي إلى هنا ويضع يده بهذا الخاتم على وجه الماء ثم يقول بحق الأسماء أن تطلع روح فلان، فيطلع التابوت فيكسره والصناديق كذلك والعلب ويخرج العصفور من الحق ويخنقه فأموت أنا.» (ص 1224). السحر في حكايات ألف ليلة وليلة يكثر استخدام السحر في حكايات ألف ليلة وليله، ويشكل مصدر قلق وضعف للملك شهريار فتكرار الحكايات المتضمنة سحر وممارسة السحر تجعله يخشى شهرزاد ولا يستبعد استخدامها للسحر ضده، وربما يكون ذلك جزءاً من إستراتيجية شهرزاد في المحافظة علي علاقتهما كزوجة وحياة جديدة لشهريار. وفي حكاية الليلة 798 قالت شهرزاد: «بلغني أيها الملك السعيد أن سيف الملوك قال: هو أنا أبي الملك وهذا خاتم سليمان بن داود عليهما السلام في أصبعي، فقومي بنا إلى شاطئ هذا البحر حتى نبصر على كلامه هذا كذب أم صدق؟ فعند ذلك قام الاثنان ومشيا إلى أن وصلا إلى البحر ووقفت دولت خاتون على جانب البحر ودخل سيف الملوك في الماء إلى وسطه وقال بحق مافي هذا الخاتم من الأسماء والطلاسم وبحق سليمان عليه السلام أن تخرج روح فلان ابن الملك الأزرق الجني؟ فعند ذلك هاج البحر وطلع التابوت فأخذه سيف الملوك وضربه على الحجر فكسره وكسر الصناديق والعلب واخرج العصفور من العلبة وتوجها إلى القصر وطلعا فوق التخت، وإذا بغبرة هائلة وشيء عظيم طائر وهو يقول أبقني يا ابن الملك ولا تقتلني واجعلني عتيقك وأنا أبلغك مقصودك فقالت له دولت خانون لقد جاء الجني فأقتل العصفور لئلا يدخل هذا الملعون القصر ويأخذه منك ويقتلك ويقتلني بعدك، فعند ذلك خنق العصفور فمات فوقع الجني على الأرض كوم رماد فقالت دولت خانون قد خلصنا من يد هذا الملعون فكيف نعمل، وإدراك شهرزاد الصباح فمسكت عن الكلام المباح.» (ألف ليله وليله، دار العودة، 1988، ص 1224) حكايات السندباد المحطة قبل الأخيرة في حكايات شهرزاد تميزت حكايات شهرزاد عن لقاء السندباد البري بالسندباد البحري بالمغامرات والمخاطرة والمفاجآت والغرائبية وتعدد الأبطال من البشر والحيوانات الخرافيه والأفاعي العجيبه. والسندباد أسطورة شهيرة التصقت بالثقافة العربية التصاقا كاملا عبر كتاب «ألف ليلة وليلة»، واشتهرت شخصية سندباد كشخصية عربية مغامرة، ورحالة طاف الآفاق، وشاهد الغرائب والعجائب، وبرزت شخصيته للعالمية من خلال الثقافة العربية فقط، لكن عند تتبع المصادر يتبين لنا أن السندباد في الأصل كان حكيما هنديا له كتاب معروف، ترجم فيما بعد إلى الفارسية. لكن لا الثقافة الهندية، ولا الفارسية لها علاقة بشخصية السندباد الرحالة العربي. تحمس شهريار بعد حكاية (حاسب كريم الدين في الليلة السادسة والثلاثون بعد الخمسمائة) وقال احكي يا شهرزاد، وحكت له شهرزاد (حكاية السندباد في الليلة السابعة والثلاثون بعد الخمسمائة )، وقالت : بلغني أيها الملك السعيد أن السندباد البحري بعد أن زوجه الملك وعقد له على امرأة عظيمة ثم انه أعطاني بيتا عظيما مليحا بمفرده وأعطاني خدما وحشما ورتب لي جرايات وجوامك وصرت في غاية الراحة والبسط والانشراح ونسيت كل ما حصل لي من التعب والمشقة وقلت في نفسي أن سافرت إلى بلادي آخذها معي وكل شيء مقدر على الإنسان لا بد منه ولا يعلم بما يجري له، وقد أحببتها وأحبتني محبة عظيمة ووقع الوفاق بيني وبينها وقد أقمنا في ألذ عيش وأرغد مورد ولم نزل على هذا الحالة مدة من الزمن، فأفقد الله زوجة جاري وكان صاحبا لي فدخلت إليه لأعزيه في زوجته فرأيته في أسوأ حال وهو مهموم وتعبان السر والخاطر فعند ذلك عزيته وسليته وقلت له لاتحزن على زوجتك فالله يعوضك خيرا منها ويكون عمرك طويلا ان شاء لله تعالي فبكى بكاء شديدا وقال لي يا صاحبي كيف اتزوج بغيرها أو كيف يعوضني الله خير منها وأنا بقي من عمري يوم واحد ؟فقلت له يا أخي ارجع لعقلك ولا تبشر على روحك بالموت فأنك طيب بخير وعافيه ؟! فقال لي صاحبي وحياتك في غد تعدمني وما بقيت عمرك تنظرني،فقلت له وكيف ذلك ؟ فقال لي في هذا النهار يدفنون زوجتي، ويدفنونني معها في القبر فأنها عادتنا في بلادنا أذا ماتت المرأة يدفنون معها زوجها بالحياة، وإذا مات الرجل يدفنون معه زوجته بالحياة حتى لا يتلذذ احد منهما بالحياة بعد رفيقه...» (ألف ليلة وليلة، دار العودة 1988 ج 5 ص 1019-1020) وواصلت شهرزاد تروى ماحدث للسندباد حيث قال :»..... ثم إني جئت عند ملكهم وقلت له يا سيدي كيف تدفنون الحي مع الميت في بلادكم فقال لي اعلم ان هذه عاداتنا في بلادنا إذا مات الرجل ندفن معه زوجته واذا ماتت المرأة ندفن معها زوجها بالحياة لا نفرق بينهما لا في الحياة ولا بالممات وهذه العادة عن أجدادنا . فقلت يا ملك الزمان وكذا الرجل الغريب مثلي إذا ماتت زوجته عندكم تفعلون به مثل ما فعلتم بهذا؟ فقال لي نعن ندفنه معها ونفعل به كما رأيت! فلما سمعت ذلك الكلام منه انشقت مرارتي من شدة الغم والحزن على نفسي وذهل عقلي وصرت خائفاً أن تموت زوجتي قبلي فيدفنونني معها وأنا بالحياة وسليت نفسي وقلت لعلني أموت أنا قبلها ولا يعلم أحد السابق من اللاحق؟ «(ألف ليلة وليلة ، دار العودة 1988ج5 ص 1020) وحكى السندباد قائلاً : «.... فما مضت مدة يسيرة بعد ذلك حتى مرضت زوجتي وقد مكثت أياماً قلائل وماتت فاجتمع غالب الناس يعزونني ويعزون أهلها فيها وقد جاء الملك يعزيني فيها على جري عادتهم ثم إنهم جاءوا لها بغاسلة فغسلوها والبسوها أفخر ما عندها من الثياب والمصاغ والقلائد والجواهر من المعادن فلما البسوا زوجتي وحطوها في التابوت وحملوها وراحوا بها إلى ذلك الجبل ورفعوا الحجر عن فم الجب وألقوها فيه تقدم الجميع أصحابي وأهل زوجتي يودعونني في روحي وأنا أصيح بينهم أنا رجل غريب وليس لي صبر على عاداتكم وهم لا يسمعون قولي ولا يلتفتون إلى كلامي ثم إنهم أمسكوني وربطوني بالغصب وربطوا معي سبعة أقراص من الخبز وكوز ماء عذب على جري عادتي وانزلوني في ذلك البئر فإذا هي مغارة كبيرة تحت ذلك الجبل، وقالوا لي فك نفسك من الحبل فلم أرض أن أفك نفسي فرموا على الحبل ثم غطوا فم المغارة بذلك الحجر الكبير الذي كان عليه وراحوا في سبيلهم، وأدرك شهرزاد الصباح وسكتت عن الكلام المباح (ألف ليلة وليله، دار العودة،ج5 ص 1221) وفي حكايات السندباد الخامسة في ليلة 580) حكت يا شهرزاد وقال: «بلغني أيها الملك السعيد أن السندباد البحري ابتدأ بالكلام فيما جرى وما وقع له في الحكاية الخامسة فقال اعلموا يا إخواني إني لما رجعت من السفرة الرابعة وقد غرقت في اللهو والطرب والانشراح ونسيت جميع ما كنت لقيته وماجرى وما قاسيته من شدة فرحي بالمكسب والربح والفوائد فحدثتني نفسي بالسفر والتفرج في بلاد الناس وفي الجزائر (الجزر) فقمت وهممت في ذلك الوقت واشتريت بضاعة نفيسة تناسب البحر وحزمت الحمولة وسرت من مدينة بغداد وتوجهت إلى مدينة البصرة ومشيت على جانب الساحل فرأيت مركبا كبيرة عالية مليحة فأعجبتني فأشتريتها وكانت عدتها جديدة واكتريت لها ريسا وبحرية ونظرت عليها عبيدي وغلماني وأنزلت فيها حمولي، وجاءني جماعة من التجار فانزلوا حمولهم فيها ودفعوا لي الأجرة وسرنا ونحن في غاية الفرح والسرور وقد استبشرنا بالسلامة والكسب ولم نزل مسافرين من جزيرة إلى جزيرة ومن بحر إلى بحر ونحن نتفرج ف الجزائر والبلدان ونطلع إليها ونبيع ونشتري،» (ألف ليلة وليلة، ص 1024-1025) «....... ولم نزل على هذا الحالة إلى أن وصلنا يوماً من الأيام إلى جزيرة خالية من السكان وليس فيها أحد وهي خراب وفيها قبة عظيمة بيضاء كبيرة الحجم فطلعنا نتفرج عليها وإذا هي بيضة رخ كبيرة، فلما طلع التجار إليها وتفرجوا عليها ولم يعلموا أنها بيضة رخ فضربوها في الحجارة فكسرت ونزل منها ماء كثير وقد بان منها فرخ الرخ، فسحبوه منها واطلعوه من تلك البيضة وذبحوه واخذوا منه لحماً كثيراً وأنا في المركب ولم أعلم ولم يطلعوني على ما فعلوه، فعند ذلك قال لي واحد من الركاب يا سيدي قم تفرج على هذه البيضة التي تحسبها قبة فقمت لا تفرج عليها فوجدت التجار يضربون البيضة فصحت عليهم لا تفعلوا هذا الفعل فيطلع علينا طير الرخ ويكسر مركبنا ويهلكنا ولم يسمعوا كلامي....» (ألف ليلة وليلة، ص 1025 ) «.... فبينما هم على هذه الحالة وإذا بالشمس قد غابت عنا والنهار اظلم وصارت فوقنا غمامة اظلم الجو منها، فرفعنا رؤوسنا ننظر ما الذي حال بيننا وبين الشمس فرأينا أجنحة الرخ هي التي حجبت عنا ضوء الشمس حتى اظلم الجو، وذلك انه لما جاء الرخ ورأى بيضته انكسرت تبعنا وصاح علينا فجاءت رفيقته وصارا حائمين على المركب يصرخان بصوت اشد من الرعد، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. « (ألف ليلة وليلة، ص 1025 ) ** **