«والله مادينك إلا دين عظيم وحكايتك حكاية عجيبة، لو كتبت بالإبر على آماق البصر لكانت عبرت لمن اعتبر» (ألف ليلة وليلة) شهرزاد الدهشة والتشويق تمثل شهرزاد في حكايات ألف ليلة وليلة عقدا فريدا من السرد الأدبي القديم والحداثي فهي تجمع بين القصة والرواية والقصة القصيرة، بين الواقع والخيال، الواقعية السحرية والرمزية والأسطورة والشعر، ولهذا هي مكتنزة بالرموز والعجائب المدهشة والجاذبة في القراءة، تمثل حكايات ألف ليلة وليلة نموذج النص المفتوح على كل الاحتمالات، تغري القارئ بالتواصل والتماهي مع سرد الحكايات، التي تجمع بين الواقع والخيال والغرائبي، وربما تكون الليالي أجمل ماكتب وترجم في كافة اللغات لثرائها وتنوعها وإمكانيات تفسيرها. كما تحمل الحكايات قاعدة فكرية وفلسفية قبل أن تكون حكايات سردية محكية فنية وجمالية، بل ممسرحة، فشهرزاد تتربع على قلب شهريار في مسرح الحياة وتحكي لشهريار ونحن نصغي لها عبر الأزمنة، وكأنها مازالت تحكي وتستمر في الحكي... نظرية التحدي والإصرار والتغير والنجاح شعرت شهرزاد بأهمية التحدي لبنات جنسها مع شهريار وقبلت هذا التحدي وعملت على تنفيذ إستراتيجيتها معتمدة على الحكي والسرد الساحر الجميل لتمنح نفسها وشهريار وقتا كافيا لتوثيق العلاقة والتمكن وتنفيذ الخطة ببطء ودقة وحكمة وكان لها ذلك. تصور شهرزاد على أنها «امرأة متعلمة وذكية وحكيمة وأن لديها مواهب أدبية، إنها قد اطلعت على الكثير من الكتب وبالذات على نوعية منها، إذ قرأت – من ناحية – تلك الكتب التي تتناول علوم الفلسفة والطب، وقرأت من –ناحية ثانية – كتب التاريخ والأمثال الشعبية التي صاغها رجال عظماء وملوك. ويبدو أنها فكرت كثيرا وبعمق في ورطة كل من الملك والمدينة، وهي الورطة التي تعني أنه أصبح من الصعب العثور على امرأة للزواج، ولذلك قررت أن تمسك بزمام المشكلة وتطلب من والدها الوزير أن يقدمها للملك كي تصبح زوجته ويظهر نوع حكمتها أولا في حوارها مع والدها. (مهدي، مجلة فصول، المجلد الثاني عشر العدد 4 شتاء 1994 ،ص 62). وتميزت حكاياتها بالجذب والدهشة من خلال تنوع الحكي السردي الواقعي والخيالي والغرائبي والسحر والمفارقات والإدهاش المستمر والتنوع في الحكايات بين أبطال متعددين وأمكنة برية وبحرية وأزمنة قصيرة وطويلة لتتمكن من إقناعه والهيمنة على تفكيره لاتخاذ قرار إيجابي في علاقاته مع النساء ومعها بشكل خاص، وتحققت أهدافها ونبوءتها بعد ثلاث سنوات حافلة بالحكي والسرد والإثارة والدروس والعبر من ثقافات وشعوب وعوالم متعددة وثرية. وبغض النظر على مستوى لغة السرد وتفاوتها وقوتها وضعفها وجمالها وقبحها، إلا أن محتوى السرد تضمن عوامل الدهشة والتشويق والجاذبية بطول وعرض الحكايات. حداثة الدهشة والتشويق في ألف ليلة وليلة أول دهشة وتشويق عرفتها من خلال قراءتي الأولى لقصص ألف ليلة وليلة القصيرة، وربما تكون الدهشة والتشويق في ألف ليلة وليلة أقوى تأثير في سرديات ألف ليلة وليلة منها في أي روايات أو حكايات سردية أخرى. وربما تكون أثرت في الأفلام السينمائية فيما بعد. الشوق والتشويق في ألف ليلة وليلة التشويق عند الساردة شهرزاد عنصر رئيسي في حكايات الليالي، وربما يكون هو الأهم والأكثر جاذبية وإدهاش في سرديات شهرزاد ونجحت في تطوير مستويات التشويق والإثارة وهي تحكي كأنك تشاهد أحداث فيلم سينمائي مثير ومشوق ومستمر في تشويقه ودهشته. حكاية التاجر والعفريت فتحت شهرذاد في هذه الحكاية شهية السرد وجماله وتشويقه: تحكي شهرزاد .. وشهريار يصغي: «بلغني أيها الملك السعيد: أنه كان تاجر من التجار كثير المال والمعاملات في البلاد ركب يوما وخرج يطالب في بعض البلاد فاشتد عليه الحر فجلس تحت شجرة وحط يده في خرجه وأكل كسرة كانت معه وتمرة فلما فرغ من أكل التمرة رمى النواة وإذا هو بعفريت طويل القامة وبيده سيف فدنا من ذلك التاجر وقال له قم حتى أقتلك مثل ماقتلت ولدي فقال له التاجر: كيف ولدك؟ قال له: لما أكلت التمرة ورميت نواتها جاءت النواة في صدر ولدي فقضت عليه ومات من ساعته. فقال التاجر للعفريت: اعلم أيها العفريت أني علي دين، ولي مال كثير وأولاد وزوجة، وعندي رهون فدعني أذهب إلى بيتي وأعطي كل ذي حق حقه ثم أعود إليك، ولك علي عهد وميثاق أني أعود إليك فافعل بي ماتريد والله على ما أقول وكيل، فاستوثق منه الجني، وأطلقه فرجع إلى بلده وقضى جميع تعلقاته وأوصل الحقوق إلى أهلها وأعلم زوجته وأولاده بماجرى له فبكوا وكذلك جميع أهله ونسائه وأولاده وأوصى وقعد عندهم إلى تمام السنة، ثم توجه وأخذ كفنه تحت إبطه وودع أهله وجيرانه وجميع أهله، وخرج رغما عن أنفه، فأقاموا عليه العياط والصياح، فمشى إلى أن وصل إلى ذلك البستان وكان ذلك اليوم أول السنة الجديدة فبينما هو جالس يبكي على مايحصل له، وإذا بشيخ كبير قد أقبل عليه ومعه غزالة مسلسلة فسلم على ذلك التاجر وحياه وقال له: ماسبب جلوسك في هذا المكان وأنت منفرد وهو مأوى الجن؟ فأخبره التاجر بما جرى له مع ذلك العفريت، وبسبب قعوده في هذا المكان. فتعجب الشيخ صاحب الغزالة وقال: والله مادينك إلا دين عظيم وحكايتك حكاية عجيبة، لو كتبت بالإبر على آماق البصر لكانت عبرة لمن اعتبر» (ألف ليلة وليلة، مطبعة صبح، ص 8). بداية تنفيذ خطة الاستراتيجية هذه القصة المفتاحية بداية لتنفيذ خطة الاستراتيجية لتأجيل موت شهرزاد، ويرى محسن مهدي «أن هذه القصة القاسية سارة ومدهشة، ولكن الملك شهريار هو الذي يجب عليه أن يتراجع عن قتل شهرزاد وهو لايعتبر هذه القصة سارة ولا مدهشة، بل يعتبرها تشد الانتباه وتثير التفكير وتمنعه من التخلص من شهرزاد كما تخلص من العديد من النساء من قبل، فقد سبق أن عانى الملك نفسه إحساس الخوف من الموت على يد جني مخيف متزوج من امرأة، والآن يعرف أن الجن قادرون على الإنجاب أيضا وهم ينجبون أولادهم وبنات غير مرئيين، وفي استطاعتهم أن يتخذوا أشكالا مرئية». (مهدي، مجلة فصول، 199 ص 64). ويضيف مهدي « ........ ويتساءل الملك عما يحدث إذا جاء له الوزير في ليلة من الليالي بابنة جني دون معرفته ثم يقتلها الملك في صباح اليوم التالي؟ ونتفق مع رأي مهدي بأن شهريار يسعى لإنقاذ حياة شهرزاد لا رأفة بها ولكن خوفا من الموت، وتضع شهرزاد بذلك توازنا للرعب يشل تصرف الملك شهريار «( ص 64) أسلوب الوصف جمع أسلوب حكايات شهرزاد في ألف ليلة وليلة بين السرد النثري والشعر، وتعزز بعض الحكايات بأشعار جميلة تساهم في التشويق والجذب والإدهاش. يتمتع الرجل والمرأة في حكايات ألف ليلة وليلة بصفات متشابهة، والمرأة هي التي تغزو قلب الرجل وتحتله في معظم حكايات الليالي، وهي التي تهيئ وتسهل فرصة اللقاء، وتصف الليالي الرجل بأنه «الحسن والجمال والتيه والدلال» وإذا كان الجمال يجمع بين الرجل والمرأة فإن الميزة الكبرى في المرأة هي «الشجاعة والقوة والمبادرة»، مع تمايز الرجل عن المرأة في الصفات الجسدية. وفي (حكاية قمر الزمان بن الملك شهرمان) تبدأ مرحة التساوي بين الملكة بدور والأمير قمر الزمان جماليا « ....فرآهما متعانقين .. وهما في الحسن والجمال متشابهان وفي الملاحة متساويان» (ألف ليلة وليلة، الدار المصرية اللبنانية 2018 ، ج 2 ،ص 40) وفي (حكاية العاشق والمعشوق) نجد هذه الأبيات في بنت الملك زهر شاه: (ألف ليلة وليلة، الدار المصرية اللبنانية، 2018 ،ج2 ص 370). وفي وصف مازن تبدأ شهرزاد بقولها: فلما سمع السلطان ذلك الأنين نهض قائما وقصد جهته فوجد سترا مسبولا على باب مجلس فرفعه فرأى خلف الستر شاب مليح نقي الأثواب طيب الكلام حسن الابتسام معتدل القوام كأنه غصن بان أو عود خيزران كان اسمه مازن كما قال فيه بعض واصفيه هذه الأبيات: (ألف ليلة وليلة، الدار المصرية اللبنانية 2018 ،ج 1 ص 47) حكايات شهرزاد تتحدث عن الأزمنة شهرزاد في حكايات ألف ليلة وليلة لاتتحدث عن الماضي، بل تتحدث عن أحداث مستقبلية تتحدث وهي تتكلم عن آمال ومخاوف وعن كوارث قادمة وعن نهاية سعيدة ونتائج مبهجة. فن التشويق يعرف إدجار فيبر التشويق suspense بأنه الوقت من الفيلم أو الرواية أو غيرهما يتوقف فيه تتابع الأحداث لحظة فيما يرى القارئ أو المشاهد في قلق ماسيحدث. ويجدر بنا التوقف، في هذا التحديد، عند مجموعة من الكلمات، نظرا إلى أهميتها وهي: الوقت، قلق الانتظار، وماسيحدث. ويدل الوقت وماسيحصل على حاضر نعيشه شخص يترقب حصول حدث في مستقبل يجهل مضمونه كأن القارئ أو المستمع أو المشاهد هنا في زمن يولد كلاهما فيه القلق، ويظهر التشويق هنا في معناه الأول، باعتباره وضعا يكون فيه القارئ أو المشاهد في انتظار هذا الحدث، غير أننا نميل حالا إلى تأكيد أن التجاذب بين الحاضر والمستقبل لا يغطيه القلق تغطية كاملة، فقد يكون شعر بلذة ماقد بدأ يلامسه ولكن ألا تبقى اللذة المرتقبة، والتي لم تحصل بعد، ممزوجة بالخوف من عدم حصولها، وممزوجة بالتالي بقلق ما؟ ويؤدي هذا السؤال إلى سؤال آخر هل ننتظر في الواقع غير اللذة.» (فيبر، مجلة فصول، ص 98). التشويق في عواطف العشاق كما نجد بعض المبالغة في وصف علاقة العشاق ووصف عواطفهم وانفعلاتهم حيث «يغشى عليهم من لذة الوصال» ففي (حكاية الليلة 380) حكت شهرزاد وقالت: بلغني أيها الملك السعيد أن وزير الملك درباس أخذ أنس الوجود معه وهو مغشي عليه وسار به ثلاثة أيام وهو في غشية محمول على البغال ولايدري هل هو محمول أولا ؟ فلما أفاق من غشيته قال في أي مكان أنا؟ فقالوا له: أنت صحبة وزير الملك درباس. ثم ذهبوا إلى الوزير وأخبره وقد أفاق، فأرسل له ماء الورد والسكر فسقوه، وأنعشوه ... ....... ثم إن أنس الوجود دخل على الورد في الأكمام فعانقها وجلسا يبكيان من فرط الفرح والمسرات، فأنشدت الورد في الأكمام هذه الأبيات: ..................... فساعة من وصال قد نسيت بها ماكان من شدة الأهوال شيبنا فلما فرغت من شعرها تعانقا ولم يزالا متعانقين حتى وقعا مغشيا عليهما, أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. ولما كانت الليلة (381) قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن أنس الوجود والورد في الأكمام لما اجتمعا تعانقا ولم يزالا متعانقين حتى وقعا مغشيا عليهما من لذة الاجتماع، فلما أفاقا من غشيتهما أنشد أنس الوجود هذه الأبيات: .............. فلما فرغ من شعره تعانقا، وأنهما غرقا في بحر الغرام ومضت عليهما سبعة أيام وهما لايدريان ليلا من نهار من فرط ما هما فيه من لذة وسرور وصفو وحبور، فكأن السبعة أيام يوم واحد ليس له ثان ......» (ألف ليلة وليلة، الدار المصرية اللبنانية ج2 ، ص 365-366).