فتحت عينيّ إلى السقف مباشرة وفي اللحظة التي تليها سقطت أجفاني على بعضها، جسدي مُحملاً بالكدمات المعنوية والمادية، وعلى وضعية السكون كانت جميع أجزائي تنام بخدر يقظ، التعب والوهن والإجهاد يطفو على الجلد وفي العميق تُقام معركة ذهنية تتبارز فيها جميع الطيوف، العقل والقلب والروح وحتى المسام، الكل يعبر عن رأيه وفق طريقته، والجسد المصغي لخطوات الجوف لا ينهض و إن عد الحكم ثلاثًا.. يستفتح النطق الأخرس العقل صارخًا: -آه «يوم آخر فوق هذه الأرض» ل«غريق يتسلى في أرجوحة» يتقلب القلب في صخب مهذب وهو يحاول أن يجمع أشتاته قائلاً: - ليس لدي «تصريح بالابتهاج» ما دمتَ واقعًا أرضًا هكذا مثل «البؤساء»! العقل ينتفض إزاء هذه الإهانة من القلب، تمتلئ جبهته بالتجاعيد قائلاً: - أحتاج «مئة عام من العزلة» إلا ترى يا قلب أن «الخوف» و«الجوع» و«الظل والأغلال» تنشب مخالبها في كبود الجميع؟! القلب قائلاً: - هل ستأخذ «مقعد على ضفاف السين» أو تلبس «هوية بأربعين وجهًا» حتى تُقاوم كل هذه «العواصف»؟! العقل ساهمًا في نقطة بعيدة: - متى يحل النسيان؟ قال القلب: - عندما «نبعث آمالاً جديدة في عالم متغير» نظر العقل إليه وهو يكتم ضحكته! قائلاً في سخرية: - عالم متغيّر! لا حيلة للسجين إلا التأمل، أما الآمال فليس لدينا «شقة الحرية» حتى نحلُم بها! القلب مدافعًا: - الآمال تتفتح في الحدائق زهرةً زهرة. العقل بصرامة جادة: - آه القلب و«أحلام يقظة الراحة»! تدخلت الروح بغتة في هذا النقاش قائلة في إطراق: - لن ينجو أحد من النسيان، لن نتقدم ونحن نغوص في «تلك العتمة الباهرة»! العقل في واقعية مفرطة: - لا أدري إذا كان علي أن ابتهج! يلتفت القلب إليه: - لا مجال للابتهاج لمريض بمرض «فيزياء الحزن» كأنت! العقل: - إني أحاول ساعدني! القلب: - من يقود من؟! رفعا نظرهما جمعيًا إلى الروح التي ظلت تَرف فوق الماء، ثم نظرت إليهما في عطف وكأنها افتقدت إحساسها بالتخصيص قائلة في تهدج: - يا أعزائي السيد القلب والسيد العقل من الممكن دومًا أن يوجد استثناء حتى في «الساعة الخامسة والعشرون» صدقوني ما زال هناك ما يبهج! القلب يهتف في حدة: - أنا أتألم كثيرًا ربما أكثر منكما، «تجربة الألم» لدي أعمق وأقوى، أما أنت أيها العقل دائماً ما تأتي فوق جراحي تنثر فلسفاتك حول كيفية «الإقالة من الحياة» ونظرياتك حول «الأحذية الإيطالية» و«الحب في زمن الكوليرا»! اعترض العقل بشدة وهو يقول: - أتريد مني أن أراك ك«ربيع في مرآة مكسورة» ولا أتفلسف! القلب في غضب: - لماذا لا تأتيني في البدايات؟! لماذا حين أكون حطامًا تأتي و عليك «جلباب العابد» لتُخبرني بأنه «لا يحظى الجميع بنهاية سعيدة»؟! الروح تأتي من جديد وهي مرفرفة قائلة: - على رسلكما، الواقع أن هذا الوضع مخجل جدًا والتشابك بينكما أو بيننا مريع وعلى درجة كبيرة من الارتباط، لذلك الكل يعود إلى «الأصل» والناس في الخارج «ملائكة وشياطين» و«الجحيم» مصير أولئك الذين يُضيعون قلوبهم وعقولهم! رد العقل ضاحكًا: - شكراً لك على زيادة الاختلاف فما كان ينقصنا سوى الجحيم! رد القلب بنبرة هادئة: - لكن أيتها الروح عند «انكسار الروح» لا تنفع «ألف شمس ساطعة» لإصلاحها من جديد،في كل منا «موت صغير» و«ذكريات ضآلة» لكن يجب أن «انتظر حتى الربيع» حتى أرى المستقبل. العقل بحدة: - كم أنت ثري المشاعر يا قلب، أتعلم أن لا شيء يقف أمامي حتى أذكرك بجرح قديم! القلب: - تلك هي مشكلتك في «الحرب والسلم» تأتي دائماً ك«زورق مثقوب من جهة الغرق»! العقل: - لمَ لا تقول آتي ك«طوَّق الطهارة» ك«سقف الكفاية»؟! أنجيك من عاطفتك؟! تدخلت الروح وهي تعلو مجددًا فوقهما قائلة بصوت نافذ: - الهدوء يا سادة من فضلكم، إنكم تعرفون جمعيًا ذلك الشعور المنبعث من الضيق والوحدة والخوف أنكم جمعياً وأولكم أنا بحاجة إلى الهروب إلى دفء صغير وإلى «أكثر من سلالم» حتى نرتفع جمعياً. القلب يتكلم في انتهاء صبر: - أنا تعبت أرجوكم لا بد لكل منّا يلزم دوره و لا يكن «قاتل بلا وجه»! العقل وقف مواجهًا القلب وهو ينظر إلى عينيه بصرامة: - «حين تترنح ذاكرة أمي» كنتُ أريدك الذاكرة، وحين كنتُ أبكي «في ساعة نحس» كنتُ أريدك الملاذ، وحين كنتُ أتوه في «عالم بلا خرائط» كنتُ أريدك اتجاهي! لكن للأسف نحن لا نلتقي إلا في فواصل! القلب يتأوه كأنه جُرح: - أنك تقسو، ألستُ أنا من علمك «كيف تقع في الحب» وأنا علمتك الغناء» بالقرب من حدائق طاغور «وأنا أسستُ فيك» ثورة الفن والجمال» وبكل شهوات التراب أُمدك باليقظة وشعور الخير وأخمد فيك نار الانتقام لماذا الآن تبدو بعيدًا عني؟ الروح قد أقلقها هذا الحوار فقالت في قوة: - توقفوا! إن كلما تقولون هو طبيعة أدواركم ويجب أن تؤدوها بشكل جوهري، إنه من الجيد أنكم لم تفقدوني، تخيلوا فقط لو تفقدون أرواحكم و تختفي في عالم منعدم،كيف ستعيشون؟ نظر القلب والعقل إلى بعضهما وقد علت على ملامحهما نظرة خوف وهلع فقال القلب مستدركًا: - أيتها الروح من أي المدارات أنت وكيف نصل إلى «الرمز المفقود» بيننا؟ العقل في سؤال متسارع: - وهل أنت بوصلتنا أيتها الروح؟! هل أنت حقيقة أم زائفة أم متغيّرة في عالم كله «عينان منكسرتان»؟ من أنتِ؟ ومن نحن؟ وكيف نواصل الحياة في «مدن الملح» هذه؟ التفت القلب إلى الروح قائلاً: - ثم إن «كل الناس كاذبون» إلى أين نتجه الآن ومن يحُل «شيفرة دافنشي» هذه؟ قاطعه العقل في ذهول: - أشعر كأني «أليس في بلاد العجائب» من فرط حيرتي! نظرت الروح إليهما بسلام وقالت: - علينا أن ننطلق من مكان ما، وأن ننجو جمعياً من الإنحاء و«عناقيد الغضب» و«أشياء تتداعى» صغيرة كانت أو كبيرة! و لا تنسوا أن «النوم الأكبر» سيأتي، فلنكن محظوظين بوجودنا «على الطريق»! بعدها أفقت وأنا أسمع صوت الكتب تتهاوى من المكتبة على الأرض، لأني وضعتها على الرف. جميع العبارات التي جاءت بين «الأقواس» هي عبارة عن أسماء كتب حقيقية. ** **