شكلت الإعفاءات الجزئية لتصدير النفط الإيراني فسحة مؤقتة للنظام؛ وللدول المستفيدة التي حصلت على خصومات سعرية استثنائية لم تكن لتحصل عليها لولا الحظر وصعوبة بيع النفط الإيراني في الأسواق. عانت إيران من عدم قدرتها على تسويق نفطها الشهر الماضي، قبيل إنهاء فترة الإعفاء المؤقتة، ويرجع ذلك لحرص الدول المستثناة ومنها الصين والهند وكوريا الجنوبية على تأمين البديل الموثوق لاحتياجاتها النفطية تحسبًا للإيقاف القسري. تدخل إيران اليوم مرحلة جديدة من العقوبات الصارمة التي فرضتها «واشنطن» والمتوقع أن توقف صادراتها النفطية تماماً، وبالتالي حرمانها من مصدر دخلها الرئيس، ما يعني انهياراً متسارعاً للاقتصاد والعملة المحلية التي تراجعت بنسبة 25 في المائة منذ مطلع العام الحالي لتصل إلى 140 ألف مقابل الدولار. تسببت الضغوط الأميركية بتراجع صادرات إيران النفطية بنحو 53 %، منذ مايو الماضي لتصل إلى 1.3 مليون برميل يومياً، حيث ارتبطت صادراتها بالدول المعفاة؛ ومنها الصين التي تستورد ما يقرب من 500 ألف برميل يومياً، والهند بحجم استيراد بلغ 405 آلاف برميل، وكوريا الجنوبية التي تستورد ما يقرب من 285 ألف برميل. إلغاء الإعفاءات الأميركية سيؤدي إلى تصفير صادرات النفط الإيرانية وهي مرحلة راهنت إيران على عدم إمكانية تنفيذها لاعتبارات سياسية واقتصادية مرتبطة بالدول المستوردة، إضافة إلى مخاطر ارتفاع أسعار النفط كنتيجة مباشرة لوقف الصادرات الإيرانية. سينعكس تصفير صادرات النفط الإيرانية سلبا على الاقتصاد الذي يعاني من الانكماش، والتضخم الذي ربما بلغ 40 % بحسب توقعات صندوق النقد الدولي، والبطالة، وانهيار العملة المحلية؛ وسيتسبب في أضرار بالغة للبنك المركزي الإيراني الذي يعاني من شح الأصول الأجنبية ما يعني تفاقم مشكلاته، وعدم قدرته على تأمين قيمة الواردات، أو الدفاع عن الريال الإيراني. باتت إيران معزولة عن النظام المالي العالمي، وغير قادرة على تنفيذ مدفوعاتها الدولية لسببين رئيسين الأول شح الأصول الأجنبية، والثاني وقف تعاملها بالدولار الأميركي وعدم تمكنها من استخدام نظام المدفوعات العالمي. هناك محاولات من قبل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، للتخفيف من أثر العقوبات الأميركية على إيران عبر إطلاق نظام Instex الذي يهدف إلى إبقاء القنوات المالية والتجارية مفتوحة مع طهران، غير أن فاعليته ستكون محدودة، وربما وقتية قبل أن يتم إغلاق جميع القنوات المالية والتجارية بضغط من واشنطن. لن يتوقف تأثير العقوبات الأميركية على الداخل الإيراني المتوقع بدء احتجاجاته على خلفية غلاء المعيشة وشح المواد الأساسية وتفشي البطالة؛ بل ستطال منظومة تمويل الإرهاب الإيرانية التي ستعاني من انقطاع التدفقات المالية ما يعني توقف دعمها للتنظيمات الإرهابية وفي مقدمها حزب الله في لبنان، والحوثي في اليمن، والتنظيمات الإيرانية في العراق وسوريا؛ وهو ما يراهن عليه الرئيس الأميركي «دونالد ترمب» وتتمناه الدول المتضررة من الإرهاب الإيراني في المنطقة. أعتقد أن تصفير صادرات النفط الإيرانية تشكل بداية سقوط نظام طهران.