قضيت حياة مِلْؤُها البر والتقى فأنت بأجر المتقين جديرُ الإنسان حينما يهم بالكتابة عن راحل غاب عن الدنيا، حميدة أيامه ولياليه بعد مرور عشرات عقود الزمن عليه..، فإن الكاتب يحتاج إلى معاضدة بتنويره عما قد يخفى عليه من سيرته العطرة، لبعد المسافات الطويلة، وفارق العمر المديد بينهما..، كحالي مع عميد أسرة آل خميس بالرياض الشيخ الحبيب عبدالرحمن بن عبدالله بن خميس «أبو فهد» -رحمه الله-، حيث استعنت بابن أخيه الزميل الوفي الأستاذ محمد بن علي بن خميس «أبو عبدالمحسن»، فأفادني مشكوراً؛ عما خفي عليّ من بداية مشواره في الحياة..، ولقد ولد في مدينة الرياض عام 1342ه، وعاش عمره الطويل صَحيحاً معافىً مُوشكاً عُبور (الهُنيدة) سليم الحواس: السمع والبصر..، وهذا من نعم الله عليه -جلّ ثناؤه-، ولقد أحسن الشاعر القائل: وقد عاش طفولته بين أحضان والديه، ومع أخويه علي وعبدالعزيز وأخواته..، ولداته في أجواء مرح وراحة بال، وتلقى بداية تعليمه في مدارس الكتّاب لتعلم الكتابة، والقراءة وحفظ القرآن الكريم لدى المعلم المختص المطوع -آنذاك - وكان سريع الحفظ طليق اللسان في تلاوة كتاب الله العزيز الحكيم..، ولما كبر أخذ يحضر بعض مجالس العلماء..، ويسمع ما يقرأ من كُتب المختصرات والمطولات التي تُقرأ في المساجد الكبيرة قُبيل صلاة العصر والعشاء في غالب الأوقات، مما زاد في ثقافة -أبو فهد- العلمية والثقافية مُبكراً..، وفي فترة من الزمن تولى إدارة المكتبة الوطنية بالرياض، التي تُعد من أوائل المكتبات، هي ومكتبة الأمير مساعد بن عبدالرحمن آل سعود -آنذاك- فالمكتبة الوطنية تقع شرقي مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم بحي دخنه -رحم الله الجميع-، وكأني بأبي فهد إذا دخل أحد من الرواد للقراءة لأول مرة أشار بيده نحو الرفوف التي تنوء ثقلاً بأحمالها من نفائس الكتب، والمخطوطات النادرة..، مُرغباً لهواة تسريح النظر في بطون تلك الكتب المفيدة، ومتمثلاً بهذا البيت: فهو رجل لطيف محبوب في أسرته ومعارفه، لما يتمتع به من هدوء طبع وسلامة صدر وخلق كريم، وتواضع جمّ، وهذه الصفات الحميدة مجتمعة تُذكرنا بأخيه كريم السجايا الشيخ الفاضل علي بن عبدالله بن خميس والذي سبقه إلى مضاجع الراحلين مُنذُ زمن بعيد -رحمهما الله رحمة واسعة- وكان يطيل المُكث في مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم بعد أداء الصلوات في تلاوة القرآن الكريم، لقربه من منزله..، فذكرياتنا الجميلة مع الشيخ علي -أبو محمد- لاصقة في خواطرنا منذ عامي 69-1370ه، حيث كان ناظراً على عدد من البيوت التي خصصها جلالة الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- لسكن طلاب العلم المغتربين لدى المشايخ الأجلاء بحي دخنه، وكنت من أولئك المغتربين عن أهليهم..، فهو مَرِن في عمله وتعامله أثناء توزيعهم على تلك الحجرات، فكل ثلاثة أو أربعة في حجرة حسب رغباتهم مع صرف مكافأة شهرية لهم..، فكلا الأخوين يتمتعان بأخلاق عالية وسجايا حميدة، وقد أديت صلاة الميت على الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله بن خميس بعد صلاة عصر يوم السبت 20-5-1440ه بجامع الملك خالد بأم الحمام في الرياض ثم ووري جثمانه الطاهر بمقبرة شمال الرياض.. داعين المولى له بالرحمة والمغفرة من رب العالمين، وكُنت أسعد بالحديث معه عندما يحضر إلى مجلس ابن أخيه محمد، العامر بالكثير من أسرته وأصدقائه..، زميلنا منذ عام 1369ه حتى نلنا الشهادة العالية معاً عام 1378ه مستفيد من بعض أحاديث الشيخ، وما يتخللها من قصص، وطرائف، وحكم تُغذي العقول، وتثري حصيلة الحضور ثقافياً وعلمياً..، ولئن غاب أبو فهد عن نواظرنا وبات تحت طيات الثرى، فإن ذكره الحسن وسيرته العطرة باقية في نفوس أسرته ومحبيه مدى الأيام.. وأختتم هذا المقال الموجز بهذا البيت: تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته.. وألهم أبناءه وبناته، والزميل الشيخ محمد بن علي، وشقيقه عبدالله وكافة أسرة آل خميس، وجميع محبيه الصبر والسلوان. ** **