الناس تموت والله حي لا يموت من حديث.. (اللهم أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا تموت، والجن والإنس يموتون)، رواه مسلم. أحبب حبيبك هونا ما... أو لا تتعلق بغير ربك، فكلّ مُفارق/ ما الناس إلا هالك وابن هالك وذو نسب في الهالكين عريق لا أدري لم فزّت لذهني الجمل السابقة.. هل هي تتسابق لتعزيتي؟ أم لتهون من خطب فقد غالٍ.. عالي القدر، ألا وهو (رحيل) أحد الجيران الذي هو بمقام الأب سنًّا، وبمقام الروح ألفةً الشيخ/ محمد بن عبدالله بن علي الخويطر الذي كان( مصباح) نوّرنا حقبة جاورنا بها ..فما ودّعنا إلا من بعد أن أودع له بنا أثر من الصالحين فلا عجب البتة أن يقف المتنبي ب(شموخه الشعري) ليعزو الموت أو يوقفه على سبب لا غيره/ لولا مفارقة الأحباب ما وجدت لهنّ (المنايا) إلى أرواحنا سبلا كذا قال، ثم كذا قيل عن تلك.. من أنها مبالغة، ولكن لا شك أن/ لفراق الأحباب وقعٌ مقارب المفاوز من السهم المهنّد، والدليل الجلي.. لو أتيت لأحدهم وهو في نشوة السعادة أو أدنى التعاسة لتخبره بموت أحد لنسي ما كان من حال (سعادته.. أو تعاسته) ليلتفت بكل ذاته إلى هذا الأمر لأن للموت وقع مختلف، ألا يكفيه جراحًا وقراحًا أنه آخر محطات الدنيا فكيف تستسيغ هذه -الدنيا- بعد من كان يشاطرك بها منشطك ومكرهك/ قُربةً كانت أو صحبة وجيران.. وفجأة تجدك وقد جُردت منهم وبالتالي حُرمت أنس موالفتهم، فالدنيا لا تحلو إلا بهم!.. ولذلك تجدك (من بعدهم) وكأنك في موات، لانفرادك أو بقائك إثرهم! فليس من السهولة أن يقال (فلان رحل).. لأن دلالة لفظة رحيل تعني فراغًا كبيرًا تركه في حياتك، وإن كان مماثلاً لسنك فهو إيذان لدنو الشرب من ذات المنهل ك(العزاء المبكّر) لك!! وليس من اليسر هضم خبر (فلان مات) لأن لتلكم وقعها الحاد شفراته، بل تذكرة عندئذ مرام/ اللسان كالسنان - السيف- فتلطّف بما تُملي به وليس من خفيف دلالة (الممات) لأحدهم بالذات إن كان يمثل عندك مكانة ووزنًا كذا كان حبيبنا الذي إن قلت فيه أنه صالح فقط... إلا وبهت صفاته الغزيرة.. الأخرى فقد كانت سحنته اللطافة وشاخصته الابتسامة وترققه (وهو بمقام الأب) عجيبًا، لا تكاد تتذكره إلا وتذرف عيناك عليه العم (أبو عبدالله).. من جبلّ بالفعل ربى جيل، فما أفل إلا (والحمد لله) أبقى بيننا ثلة من خلفٍ نحسبهم (والله حسيبهم) يتسابقون في ميدان الخير، كما شاهدناهم ببرّ والدهم في محياه، ولا غرو فهم نماء تلك التربة الطاهرة التي ثمارها ظاهرة تكتحل العين بها خمس مرات في (بيت الله) نسأل الله لهم الثبات.. ولفقيدهم وهو (فقيدنا أيضًا) الرحمة والغفران من المولى المنان الذي وعد الصالحين أنهم {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (سورة القيامة (22 -23)... ربي اجعله منهم فقد كان نضر المنظر، جميل الروح والمظهر، وكذا نحسبُ منه المخبر.. فما عهدناه إلا أحد سواري مسجدنا وأحد أعمدة حارتنا، فهل من عجب أن يسكن القلوب.. بذاته الوادعة ونفسه الباسقة وهل جلال الرجال إلا من تلكم المناقب والخلال؟ ربي اغفر وارحم وتقبّل ((فقيدنا)) واخلف عقبه بالصالحين. ** ** - عبدالمحسن بن علي المطلق