قال أعرابي لرجل: ويحك! ان فلاناً وإن ضحك اليك فإن قلبه يضحك منك، وإن أظهر الشفقة عليك فإن عقاربه لتسري اليك، فإن لم تتخذه عدواً في علانيتك فلا تجعله صديقاً في سريرتك. قال الأصمعي: ألا أدلك على بستان يكون في كمك، وروضة تكون في حجرك، وميت ينطق، وأخرس يتكلم، يحدثك إذا شئت، وينقطع عنك إذا سئمت؟ قلت: بلى. قال: عليك بكتابك. دخل ابو دلامة الشاعر على المهدي وعنده اسماعيل بن علي، وعيسى بن موسى، والعباس بن محمد، ومحمد بن ابراهيم الامام وغيرهم من بني هاشم، فقال له المهدي: أُعطي الله عهداً لئن لم تهجُ واحداً ممن في البيت لأقطعن لسانك. فنظر اليه القوم وغمزه كل واحد منهم ان على رضاك. قال ابو دلامة: فعلمت اني قد وقعت وأنها عزمة من عزماته لا بدّ منها، فلم أرَ أحداً أحقّ بالهجاء مني، ولا أدعى الى السلامة من هجاء نفسي، فقلت: ألا أبلغ لديك أبا دلامه فلستَ من الكرامِ ولا الكرامه جمعتَ دمامةً وجمعتَ لؤماً كذاك اللؤمُ يتبعه الدّمامه فإن تكُ قد أصبتَ نعيمَ دُنيا فلا تفرحْ فقد دنتِ القيامهْ فضحك القوم، ولم يبق أحد منهم إلا أجازه! لا يعدُّ العربُ معمّراً إلا من عاش مئة وعشرين سنة فصاعداً. أتي معاوية برجل معمّر، فقال له: أخبرني عمّا رأيت في سألف عمرك. فقال: رأيتُ الدنيا ليلةً في اثر ليلة، ويوماً في اثر يوم، ورأيت بين جامع مالاً مفرَّقاً ومفرّق مالاً مجموعاً، وبين قوي يظلم وضعيفٍ يُظلم، وصغير يكبر وكبير يهرم، وحي يموت وجنين يولد، وكلّهم بين مسرور بموجود ومحزون بمفقود! قيل لبعض المعمرين: صف الدنيا وأوجز. قال: سنيّاتُ رخاء وسنيّات بلاء، يولد مولود ويهلك هالك، ولولا المولود لباد الخلق، ولولا الهالك لضاقت الأرض. ثم أنشد: وما الدهر إلا صدرُ يوم وليلةٍ ويولد مولود ويفقد فاقد وساعٍ لرزقٍ ليس يدرك قوْتهُ ومُهدى اليه رزقُه وهو قاعد يقال في المثل: انه أسأل من فلحس. وهو الذي يتحين طعام الناس، فيقال عنه: أتانا يتفلحس، وهو الذي تسميه العامة الطفيلي. قال ابن حبيب: هو رجلٌ من شيبان، كان عبيّداً عزيزاً، يسألُ سهماً في الجيش وهو في بيته، فيُعطى لعزّه. فإذا أعطيهُ: سأل لزوجته، فإذا أعطيهُ: سأل لبعيره! وكان له ابن يقال له زاهر، فكان مثله، فقيل فيه: العصا من العصية!