وصف القاص جمعان الكرت الفن القصصي بالفن المراوغ المخاتل الذي يحمل داخله العديد من الثيمات التي تزيد من توهجه وألقه، وأكد أن القاص يعيش مأسوراً منعزلاً إذا لم يجد فضاءً جمالياً يرصد فيه الواقع الاجتماعي والنفسي من خلال الشخصيات التي يبنيها وفقا للأحداث. وقال: إن القصة انعكاس لمجريات الواقع وتحولاته تجعل الشخوص في حركة دائمة مع نفسها ومع الحدث، تلك الشخوص لا يمكن فصلها عن ذات الكاتب إذ هي انعكاس لذاته يظهر جزءاً منها حينا ويختفي الجزء الأكبر وراء السطور. القصة ذات تأثير صاعق في نفوسنا وتوهج كبير في أفكارنا قال عنها محمد تيمور: «القصة روح قبل أن تكون مظهراً وفكرة قبل أن تكون حادثة وأن روح القصة الحي وفكرتها الصميمة يجب أن تكون قبسا من الإنسانية التي يمر إليها مرد الفن الرفيع في شتى صوره من بيان وموسيقى وتمثيل». يزف عرائسه الحسان هذا الأمين القلق فالقاص يلتقط الموجودات التي حوله بحذاقة النحات ومهارة الرسام لا تهمه النظرة الشمولية، بل التدقيق في النقاط الصغيرة والملامح العفوية والمواقف التي قد لا تلفت انتباه الغير ليستل المواقف ويحيلها إلى تشكيل حركي, أما لماذا فلأن القاص يعيش قلقاً لذيذاً يسمع رفيف القلوب ويلحظ خلجات النفوس ويشاهد بريق العيون عندها لابد أن يكون صادقا أمينا يزف الكلمات كعرائس حسان. أما حين ينفك النص من حيازة القاص فإنه لم يعد يمتلكه إذ هو حق مشاع للناقد والقارئ, فيقدم الناقد أدواته التشريعية بهدف استجلاء جماليات النص السردي أو كشف عوراته -أقصد الناقد الذي يمتلك الأدوات والإمكانات التي تؤهله لذلك النقد بطبيعته- فيساعد على تنامي الحركة القصصية, إلا أنه لا يخفي علينا أن المبدع هو الأساس والناقد يسير في فلكه بمعني أن القاص والشاعر أو الروائي هم الذين يمنحون الناقد مساحة للإبداع فَلَو اختفى المبدع حتماً سيختفي الناقد فالعملية متلازمة بينهما. وأضاف: القاص إذا لم يجد فضاءً جمالياً فإنه يعيش مأسوراً منعزلاً بمعني أنه لا بد أن يصل إلى المتلقي سواء عن طريق طباعة نتاجه القصصي أو اعتلاء المنابر لإحياء أمسيات قصصية أو من خلال المواقع الإلكترونية، والأجمل أن يلتفت إلى إبداعه بمنحه جوائز إن كان يستحق فتلك وسائل للوصول إلى المتلقي لذا سعت الأندية الأدبية في تهيئة فرص المشاركة للقصاصين وتلك في نظري ملمحاً جميلاً يُسجل للأندية، ومما نلحظه أن بعض الأندية الأدبية لم تتوقف عند تنظيم أمسية أو طباعة كتاب، بل تجاوزته بتنظيم ملتقيات للقصة القصيرة يشارك فيها نخب من القصاصين والنقاد مما حققت سبقاً تستحق الشكر والثناء. ثم تنفرج لحظة التنوير وقال: إن القصة القصيرة امتزجت بكثير من الأجناس الأدبية بعضها ترتبط بوشائج أسلوبية معها, وبعضها لا ترتبط بها إطلاقاً، وهذا الخلط يؤدي إلى تمييع القصة كما يؤدي لصعوبة تحديد ضوابطها وتقنياتها الفنية، لذا هناك أركان أساسية للبناء الهندسي للقصة «الشكل- البناء- الحدث- الشخصية وتطورها وأبعادها- والزمان- والمكان- السرد الحوار- لحظة التنوير- وعتبة القصة- ونهاياتها المتنوعة».. هذه التقنيات أو الفنيات إذا فُقدت فَقدت جمالياتها فالقصة تتناول لمحة خاطفة وومضة عابرة ذات دلالة فكرية ونفسية وقعت في إطار محدود يرصدها القاص بعين ثاقبة وأذن مرهفة وحس صادق ليصل إلى العقدة ثم تنفرج لحظة التنوير. القصة من الفنون الأدبية الصعبة, تحتاج إلى مهارة عالية, واقتدار محكم وسيطرة على نسيج القصة, وهنا يحتاج القاص إلى الموهبة وإلى قراءات موسعة في هذا الجانب فضلاً عن الإلمام بتقنيات القصة. وبيّن الكرت أن القاص لن يكون شاعرا ما لم يمتلك الموهبة كذلك الحال للشاعر -بحد وصفه- وإن كان البعض نجح في مسك تلابيب القصة والشعر أو القصة والرواية إلا أن القاص المخلص لفنه لا يمكن أن يسمح لنفسه السباحة في نهر غير النهر الجمالي الذي يتقنه. يقول د. الغذامي: الثقافة التي يمتلكها الفرد في الأساس هي ثقافة جمعية، فلم يصل امرؤ القيس إلى مكانته الشعرية العالية ما لم يكن هناك شعراء سبقوه واستفاد منهم. نقيس على ذلك في الروائيين والقاصين. أول قصة نشرتها في صحيفة الجزيرة في القرية «السروية» كانت الأمهات دفق عطاء سردي أيضًا إذ يسردن الكثير من الحكايات لأطفالهن الذين يتشوقون للمفاجآت سواء كانت سارة أم حزينة, لذا استطيع أن أقول أني استفدت كثيراً من ثقافة القرية كمرحلة أولى, وما أن تنامى الجذع واستقر الغصن كان لا بد لي من الاطلاع على تجارب قصصية, كانت أمامنا قصص وروايات القاص والروائي الراحل عبدالعزيز مشري الذي سجل حضوراً مدهشاً في هذا الفن الأدبي, كان بالفعل هو الملهم الجمالي من خلال قصصه ورواياته (موت على الماء والوسمية وصالحة وريح الكادي)، كانت أول محاولة لي قصة قصيرة تحت عنوان «أسماء الناجحين» وقتها كنت أدرس في كلية الآداب بجامعة الملك عبدالعزيز نشرتها في صحيفة الجزيرة ليتبعها فيما بعد قصة (آمال على مرآة مشتوفة) وهي منتزعة من الحياة القروية في الباحة في الجامعة كما اطلعت على تجارب قصصية متمكنة أمثال إبراهيم الناصر ومحمد علوان وصالح الأشقر وحسين علي حسين وسباعي عثمان وغيرهم من كتاب القصة في مصر. ليذهب الجفاء.. كُتّاب السعودية أكثر بروزًا كما بين «الكرت» أن النصوص القصصية القصيرة جداً فن مراوغ تعتمد على اقتصاد واختزال اللغة أو عنصر المفاجأة.. ومع شارع الإعلام والفضاء المفتوح الجديد ظهر الكثيرون ممن يكتبون فامتزجت القصة الحاذقة مع الخاطرة العابرة, مع رصف الكلمات الزبد سيذهب جفاءً ويبقى العمل الإبداعي. واليوم يشهد الحراك القصصي في السعودية تنامياً مقبولاً, كما أن هناك أسماء طرحت أعمالاً قصصية فاتنة لا أبالغ إن قلت بأن كتاب القصة القصيرة في السعودية الأكثر بروزاً على مستوى الوطن العربي الحكم لم يكن عاطفياً، بل لتتبع النتاج القصصي خصوصاً أن وسائل التواصل السريعة سهلت على القارئ قراءة نص قصصي في تطوان نشر للتو وأخرى في مدينة صلالة عمان، قوقل ألغى حاجز الزمان والمكان. وقال الكرت في ختام حديثه للثقافية: أصدقك القول بأن الكتابة القصصية هي المتنفس الجمالي الذي أتوق إليه وحين تأتي القصة كمواسم الربيع أفسح لها بياض الورق وقلم الرصاص لتتشكل بالطريقة التي هي تحددها فيما أقف احترامًا لها كونها اختارت لنفسها المسار الذي يشبهني. «فضة» الأولى والأخيرة «طيف» «الثقافية» تتمنى مزيدًا من الألق للقاص جمعان الكرت الذي أصدر مجموعته القصصية (فضة) أول نتاجه القصصي ثم توقف بعدها لعدة سنوات متأملاً متأنيا المشهد القصصي ليتبعها ب(عناق) التي كتب عنها د. عبدالرحمن يونس دراسة موسعة ثم أصدر (سطور سروية) عن أدبي الباحة, كما قدم مجموعتين قصصيتين من جنس ق.ق.ج (بوارق ووميض الرماد) الأخيرة حازت على جائزة الإبداع الأدبي في منطقة الباحة. له تجربة واحدة في الرواية حملت عنوان (أنين الجبل) وكتاب (على ضفاف وادي قوب) مقالات وجدانية واجتماعية عن البيئة التي عاش بها. كما صدر له مؤخراً مجموعة قصصية بعنوان (طيف).