كتبت في المقال الماضي عن السياسي الأمريكي، العنصري المتطرف، ديفيد دوك، وكيف أنه عاد للظهور مجدداً، بعد فوز ترمب بالرئاسة، إذ رأى أن فوز ترمب، رغم كل الأدبيات العنصرية، التي استخدمها ضد السود واللاتينيين، خلال حملته الانتخابية، يعني أن الشعب الأمريكي أصبح مهيئاً لتقبل الأطروحات العنصرية، فالسيد دوك يعتبر رمزاً من رموز العنصرية، وأحد أبرز قادة وفرسان منظمة الكلو كلس كلان (KKK)، وهي المنظمة التي نشأت بعد هزيمة الولاياتالمتحدة الكونفيدرالية من الولاياتالمتحدةالأمريكية، خلال الحرب الأهلية الدامية (1860- 1865)، التي اعترضت خلالها ولايات الجنوب على قرار الرئيس التاريخي، ابراهام لينكولن، بتحرير الرقيق، فانفصلت عن الاتحاد، وحاربها لينكولن، ثم انتصر عليها، وحرَّر الرقيق، وأعاد توحيد أمريكا بالقوة! لم تكن الهزيمة هيِّنة على الجنوب الأمريكي، فقد كان يعتمد على الرقيق في الحقول الضخمة، كما أن جروح الهزيمة لم تندمل حتى اليوم، فمعظم ولايات الجنوب لا تزال ترفع علم الولاياتالمتحدة الكونفيدرالية، جنباً إلى جنب مع علم الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهو علم يرمز للعنصرية، وبالتالي فبعد استسلام الجنوب، نشأت منظمات عنصرية، كانت أبرزها الكلو كلس كلان، التي تفننت في الانتقام من السود، وارتكبت جرائم كبرى بحقهم، إذ يُقال في التراث الجنوبي أن المواطن الأسود كان يشنق على جذع شجرة، إذا سرق حبة فاكهة واحدة، وقد كانت كثير من السلطات المحلية في الجنوب تتعاون مع المنظمات العنصرية، وتتستر على جرائمها، فثقافة العنصرية متفشية لدرجة التوافق، بين المجرم ومن يفترض أنه يطبِّق القانون. لم ينجح أحد في توثيق ذلك التاريخ المظلم مثل سلسلة فيلم «الجذور»، للروائي المميز، اليكس هيلي، والتي تحكي سطوة الرجل الأبيض وعذابات الرجل الأسود، في العالم الجديد، الذي كان الهنود الحمر يعيشون فيه بسلام، يرقصون ويغنون، ويأكلون حيوان البافولو، فجاءهم الرجل الأوروبي، وصادر أراضيهم، وقتل منهم أعداداً هائلة، وكان الرجل الأبيض يقتل الهنود بغرض التسلية، ثم تم جلب المواطنين الأفارقة، واستعبادهم، وذلك لأن الهندي محارب صلب، عجز الرجل الأوروبي عن ترويضه واستعباده، ولا بأس من مشاهدة أفلام عظيمة عن العنصرية، مثل فيلم «فصل عنصري وعدالة»، وفيلم: «الميسيسيبي تحترق»، وديفيد دوك هو نتاج هذه الثقافة، التي تخبو وتبزغ، ولكنها لم تختفِ أبداً، وهو الآن يحلم باستعادة ذلك التاريخ المظلم، بعد أن رأى حماس جزء لا يُستهان به من الشعب الأمريكي مع أطروحات اليمين المتطرف، وسنواصل الحديث!