تحدثنا عن إنجاز الرئيس الأمريكي ابراهام لينكولن، والذي قرّر تحرير الرقيق من العبودية، وقامت إثر ذلك حرب أهلية بين الشمال الصناعي الخالي من الرق، والجنوب الزراعي، الذي كان الرق شائعاً فيه، وقد انتهت تلك الحرب الأهلية بانتصار الشمال بقيادة لينكولن، والجدير بالذكر أن الولايات الجنوبية كانت - قبل أن تخسر الحرب، من 1861حتى 1865- قد انفصلت عن الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأنشأت كياناً خاصاً أسمته «الولاياتالأمريكية الكونفدرالية»، وصمّمت علماً خاصاً بها، ولا يزال هذا العلم - صدّق أو لا تصدّق- يرفرف على بعض عواصم ولايات الجنوب حتى اليوم! جنباً إلى جنب مع العلم الأمريكي الأصلي! فماذا جرى بعد نهاية الحرب؟ بعد أن وضعت الحرب أوزارها، وخسرت الولاياتالمتحدة كثيراً من أبنائها المقاتلين، تم اغتيال الرئيس لينكولن، وبعدها أدرك السود الحقيقة المرة، وهي أنه تم تحريرهم جزئياً، أي أنهم لم يعودوا سلعاً تُباع وتُشترى، ولكنهم سيعانون الأمرّين لمدة طويلة نتيجة للتمييز العنصري والحرمان من أبسط الحقوق، وهم الذين بنوا آمالاً كبيرة على أن تحريرهم من الرق سيعيد لهم كرامتهم المفقودة على مدى قرون، فماذا فعلوا بعد كل ذلك؟ حاول بعض السود المقتدرين أن يهاجر إلى الشمال الصناعي، ولكن الغالبية العظمى لم تكن قادرة على ذلك، وبقيت حيث هي في عمق الجنوب، الذي يعشعش فيه الجهل والعنصرية الموروثة، وكردة فعل على خسارة الحرب من قبل أهل الجنوب، فقد اشتدت وتيرة عنصريتهم ضد السود بشكل يفوق كل تصور، إذ نشأت منظمة الكلو كلس كلان، وهي منظمة عنصرية أخذت على عاتقها ملاحقة النشطاء السود، وإيذاءهم، والتنكيل بهم، وقتلهم بدم بارد، فهل كان يتم عقاب أعضاء هذه المنظمة؟ الحقيقة أن البيض في الجنوب الأمريكي كانوا على يقين بأنهم في منأى عن العدالة، فقد كان من النادر أن تتم محاكمة إنسان أبيض، ناهيك عن إدانته لأجل جريمة ضد السود! ولم يكن مستغرباً أن عدداً كبيراً من أفراد الشرطة، والمحققين، والقضاة البيض أيضاً كانوا أعضاءً فاعلين في منظمة الكلو كلس كلان العنصرية، ولذا كان الإنسان الأسود يعاقب بشكل مبالغ فيه عند ارتكابه لجريرة صغيرة، في الوقت الذي يغض الطرف فيه عن الجرائم الكبرى للبيض ضد السود، وكان شائعاً أن يتم الحكم بالإعدام على المواطن الأسود فيما لو سرق حبة من البطيخ لا يساوي سعرها ربع دولار! وقد ارتكبت خلال تلك الفترة، التي امتدت زهاء القرن، جرائم هائلة، أنتجت عنها هوليود أفلاماً كثيرة خلال العقود الماضية، وكانت تلك الأفلام - والحق يُقال- من أروع الأفلام الوثائقية التي كتبت تاريخ تلك الفترة المظلمة من تاريخ أمريكا، وقد استمرت معاناة السود طوال فترة الرؤساء الذين أعقبوا لينكولن، وأبرزهم اندرو جانسون، ويوليوس قرانت، وقروف كليفلاند، وثيدور روزفلت، وويليام تافت، وكالفين كوليج، والرئيس الشهير فرانكلين روزفلت، وهاري ترومان، الذي ألقى القنابل النووية على اليابان، وسنتحدث عن بعض أشكال هذه العنصرية في المقال القادم. فاصلة: «يجب أن تكون حراً قبل أن تُطالب بالحرية للآخرين».. ادوارد مورو [email protected] تويتر @alfarraj2