لأجل أن تفهم ما يجري -باستمرار- من عنف، وعنف مضاد، بين البيض والسود في أمريكا، عليك أن لا تنظر لقضية قتل رجل شرطة أبيض لشاب أسود، في مدينة فيرقسون، بولاية ميسوري بشكل منفصل، فالمسألة أعمق من ذلك بكثير، فعلاقة البيض بالسود كانت طوال التاريخ الأمريكي مرتبكة، ففي أمريكا عالمين منفصلين تماما، عالم البيض، وعالم السود، وذلك منذ أن تم جلب السود من إفريقيا كعبيد، للعمل في مزارع القطن والتوباكو في العالم الجديد، وتركز ذلك في الجنوب الأمريكي، ففي الولاياتالمتحدة، يزداد حجم العنصرية كلما اتجهت جنوباً، وعندما وصل الاضطهاد للسود حدوداً لا تطاق، إذ كان تعذيبهم، وقتلهم شائعا في الجنوب الأمريكي، وصل أعظم رئيس أمريكي، إبراهام لينكولن (1860-1865) إلى قناعة بأنه لا بد من عمل شيء ما، قبل أن تتفجر الأوضاع، وتصعب السيطرة عليها. حينها قرر لينكولن تحرير السود من العبودية، وفي هذا المقام لا بد من التذكير بأن لينكولن لم يفعل ذلك من منطلقات إنسانية بحتة، فهو يؤمن بتفوق العرق الأبيض على بقية الأعراق، كما نقل عنه كثير من المؤرخين، وقد تسبب قرار لينكولن بإشعال فتيل الحرب الأهلية، بين الحكومة الفيدرالية في الشمال، وولايات الجنوب الأمريكي، التي يتركز فيها الرق، وأسس العنصريون في الجنوب جمهورية مستقلة، اطلقوا عليها اسم الولاياتالمتحدة الكونفدرالية، وقد استمرت الحرب عدة سنوات، ومات فيها خلق كثير، وانتهت بانتصار لينوكولن، وتحرير الأرقاء السود، وإعادة توحيد البلاد، واغتيل لينكولن بعد ذلك مباشرة، أثناء مشاهدته عرضاً سينمائياً في واشنطن العاصمة، ويؤكد المؤرخون على أن القاتل فعل ذلك انتقاما للبيض في الجنوب الأمريكي. لم يكن تحرير السود أمراً سهلاً لدى الإقطاعيين البيض في الجنوب الأمريكي، كما كان الاندماج في المجتمع الأبيض صعباً على السود، ومع أن بعض السود هاجروا بعد التحرير إلى ولايات الشمال، إلا أن معظمهم بقوا لدى أسيادهم السابقين، يقومون بذات الأعمال، أي أن تحرير السود لم يكن تحريراً كاملاً، إذ كان القانون يصنفهم على أنهم مواطنين من درجة أقل، فقد كان ممنوعا عليهم أن يدخلوا مدارس البيض، وجامعاتهم، وكنائسهم، وحتى في الأماكن العامة، كان كل شيء مفصولا بين العرقين، وخلال هذه الفترة تأسست منظمة «الكلو كلس كلان»، وهي منظمة عنصرية عنيفة، تلاحق الناشطين السود، وتقضي عليهم، ولا تزال هذه المنظمة موجودة حتى يومنا هذا، وإن كان نشاطها لا يقارن بما كانت عليه في عقودها الأولى، واستمر هذا الحال، حتى انتخبت أمريكا - بعد قرن من وفاة لينكولن - رئيسا شابا اسمه جون فيتزجيرالد كينيدي، وللحديث صلة!.