موعد يتجدد كل سبت، يتسلق إشراقة حرف يضيء دروب التنوير. تتباين تلك الدروب، وتلتقي في نقطتين: البدء وحلم زيادة قوة الضوء في حركة التنوير. دروب الثقافية في أعدادها الستمئة تباينت؛ منها ما انصرف لفنون الأدب شعرًا ونثرًا، إبداعًا ورصدًا، ومنها ما اختار أن يكون متذوقًا محللاً ناقدًا، يفتح للقارئ ما انغلق عليه، ويلفته إلى صور ومشاهد لم تصل إليها عينه. ويوقفه على خفايا تقاصرت ثقافته عن إدراكها، فكتّاب زوايا النقد الأدبي حملوا على عاتقهم مهمة إعادة إضاءة النصوص. ودرب آخر سلكه لغويون، غاصوا في تراكيب اللغة، ومغاليق أسرار صرفها ونحوها. غايتهم شحذ أدوات إصلاح النطق واستقامة الفهم. وثمة درب خطه الفنانون التشكيليون؛ لم يكتفوا بأبجديات الريش والألوان، لكنهم أمتعونا بحكايات التجربة وقصص اللوحات. ودرب آخر كان راصدًا لحركة التنوير في المجتمع، متتبعًا تقدمها، وداعمًا له، ومنبهًا للتحديات والتعثرات والانتكاسات، مضيئًا لنقاط القوة ومسببات الخلل. يتجلى ذلك في كم الأخبار الثقافية التي تسعى الجزيرة الثقافية لمتابعتها ونقلها للقارئ، بل تستقبل الثقافية التعليقات والانتقادات، وهذا بحد ذاته مشعل للدفع للأمام لا يستهان به. الثقافية في أعدادها الستمئة تجاوزت الوطن القطر، وخرجت تستلهم الضوء الآخر؛ فقد استقطبت أقلامًا من خارج الحدود، لها وهجها وعلو مكانتها وبالغ أثرها، كما نقلت أخبارًا، وسلطت الضوء على كل ما يمكن أن يدفع بحركة التنوير، ويفعل فعل التنوير، مثل نقل أخبار معارض الكتاب والندوات والمؤتمرات خارج الوطن. لم تشح الجزيرة على الشباب؛ فقد فتحت صفحاتها للمبدعين، وأسجل لها اهتمامها بالقلم النسائي؛ فالقيمة المعول عليها هي محتوى الكتابة لا مَن يكتبه. الاستمتاع بموعد السبت يجعلني أتغافل عن أسماء الكتاب عمدًا؛ فقيمتهم عندي بما أثر فيّ، وأثار الدهشة فحفزني. شكرًا للثقافية التي دومًا ما تحفز وترعى؛ فهي لا تتجاهل جهود كتّابها وغيرهم ممن خدموا المجتمع، وأدوا شرف المهنة بأمانة، فتكرمهم إذ تخصص صفحات لمحبيهم؛ ليقولوا كلمات قد يمر عليها القارئ، فتبقى حينها، أو تموت في الذاكرة بعد حين، لكنها تبقى في قلب من كتبت عنه وقودًا تبعث نشوة العزيمة، واستمرارية العطاء. أطيب تمنياتي للثقافية ولمبدعها باقتدار الأستاذ الدكتور إبراهيم التركي، وللعاملين الذين نرى أثر فعلهم ناصعًا مشرقًا. وتحية لكل الكتّاب فيها، ولأقلامهم المبدعة وانهمار عطاءاتهم. ** **