تربكنا الأمطار في تهاطلها حين نكون في العراء بلا مظلات، والعربات تنخفض سرعتها، وفوهات المزاريب مغلقة.. تلك المخيلات المعتمرة بعرائس القطن الأبيض والوردي يباغتها مشرد تهمز جلده المحمَّس بحرقة الشمس حبات البَرَد كالدبابيس.. رأيته يركض مثقلاً بأحماله لظل شجرة في الطرق على رصيف.. يتقي ما كأنه لا يقوى عليه.. المطر لا يحميه عن مدِّ رأسه لواجهة الماء نحو وجهه، وأنا قد رأيته يجعله إلى عينيه، يفتحهما على مدارهما، لا شك يتطهر من وحشة الفاقة.. بينما المنعَّمون كنحن يلتقطون للغيم صورًا، يوقدون للبخور جمرًا، يقيمون للخيام أوتادًا، يتحلقون حول أبخرة القهوة، يلفون أكتافهم بفرو الدفء في الهواء المثلج، يربكون الخفق في الصدر، يحرضون الحنق في السؤال!! تختلط أنفاس بعضهم بأغبرة رماد جمرهم، حين قطرات المطر تتاخم.. الأجواء المطيرة الحالمة لا ترحم الكوامن الحبلى بالإحساس!!.. إما أن تربكها وهي تركض في إثر المستتر عن المطر بالشجر، وإما أن تمدها بالشهيق المضمَّخ بالمتعة فتتلذذ مذاق القهوة، والتمر، وعرف العود.. تربك عينيَّ أسمال المستتر عن المطر فوق الرصيف بزوايا الشُّرُفات، يستفز نعيمي الراجفون من فرط البلل، بينما السُّحب تتهادى، والبرق يطرق، والديَم تقطر من مزونها.. تفعل بي اللحظات المترفة بالجمال كثيرًا من الأحداث داخل هذا الكائن فيَّ، الكائن الذي لا تهدأ جوارحه مع الصور التي تتوالى عن «ألبوم» الطبيعة وقت المطر!!..