الغناء الحقيقي لا يحتاج سوى صوت شجي ينبع من الأعماق يشدو به مؤديه ليُلامس إحساس كل من تلتقط أذنه ذبذبات الصوت تلك، وهذا ما حدث بالفعل مع الموسيقي الكلاسيكي والمغني الأوبرالي أندريا بوتشيلي الذي كان منذ ولادته ضعيف البصر ليصبح كفيفًا في سن الثانية عشرة من عمره. وعلى الرغم من ذلك كله لم يتوقف عن شغفه في الموسيقى الكلاسيكية الذي بدأه وعمره 6 سنوات حينما تعلم العزف على الأورجان والبيانو، من ثم طور مهارات عزفه ليضيف إليها آلتي الناي والساكسفون. كانت الكنيسة المكان الأول الذي انطلق منه أندريا ليعزف أمام جمهور، حيث كان يعزف فيها على آلة الأورجان، انتقل بعد ذلك لأداء العزف والغناء معًا في المحافل المدرسية والاجتماعات العائلية التي يُطلب فيها. وعلى الرغم من أن الموسيقى كانت شغف وهاجس أندريا الأول؛ إلا أنه امتثل لرغبة والده حينما أراده أن يصبح محامياً، فالتحق بجامعة بيزا الإيطالية ليدرس القانون والتي كانت تبعد عن القرية التي يقطن فيها آنذاك قرابة ال50 كلم. لم تمنعه الدراسة عن هجر هوايته التي يُحب، بل أكمل مشواره في العزف والغناء بالملاهي الليلة والساحات ليرضي شغفه وليؤمن نفقات دروسه في الوقت ذاته. عُين فور تخرجه للعمل في المحكمة الوطنية وبعد سنة من عمله كمحامي؛ بدأ بأخذ الدروس الخاصة في الموسيقى على يد المايسترو الإيطالي لوتشانو بيتريني ليتفرَّغ بعد ذلك بشكل كُلي للموسيقى. في عام 1994م بدأت انطلاقة أندريا الفعلية حينما فاز إثر مشاركته في مسابقة سان ريمو، ما دفعه الحماس إلى إصدار أول ألبوماته في نفس العام والذي أسماه باسمه «Bocelli»، لاقى الألبوم رواجًا كبيرًا تعدى حدود إيطاليا ليصل إلى كافة أنحاء أوروبا، وتُعد أغنية «Con Te Partiro» التي أداها مع المغنية والراقصة البريطانية الشهيرة سارة برايتمان أبرز أغاني الألبوم وأولى الأغنيات التي أداها أندريا بالمشاركة مع مغن آخر، في عام 1990م عاود أندريا كرة الغناء المشترك وقام بأداء أغنية بجانب المغنية الأمريكية سيلين ديون تحت اسم «The Prayer»، التي تصدرت ألبوم «Sogno»، وأدت إلى شهرته الكاسحة في الولاياتالمتحدةالأمريكية. ومثله مثل أي فنان يدخل المجال الفني؛ لم يسلم أندريا من النقد، حيث تم انتقاده على جرأته بتأدية الغناء الأوبرالي من غير تخصص في ذلك ودراسه، إلا إن مؤيديه يرون بأنه لا يتطلب ممن هم مثله بدراسة هذا الفن، يكفي إحساسه الصادق النابع من القلب الذي يتميز به. يعتبر أندريا مثال على الإصرار والعزيمة، فعلى الرغم من انتقادات النُقاد اللاذعة وإعاقته؛ إلا أنه لم يجعل كل تلك العوائق تحول بينه وبين ما يملكه من إبداع ومهارة، فإيمانه العميق بالموسيقى وصوته ولد لنا كل تحفه التي ما زالت تتوالد وتنعش الموسيقى الكلاسيكية حتى يومنا هذا.