قبل يومين أعلنت صحيفة المستقبل اللبنانية إيقاف طبعتها الورقية عن الصدور نهاية الشهر الحالي. الخطوة لن تكون الأخيرة في الصحافة العربية مع الانخفاض الحاد في المبيعات والإعلانات والاشتراكات، وتوقُّف الدعم الذي كانت تتحصل عليه بعض تلك المؤسسات. المشهد في الصحافة العربية أكثر منه تعقيدًا في الصحافة الورقية الأجنبية لأسباب عدة، على رأسها مفهوم المؤسسة الإعلامية الشامل الذي تفقده مؤسساتنا الإعلامية، الذي يتطلب إعادة فهم دورها كمنتج (للمحتوى)، لا وسيلة بث فقط، وأن هذا سيبقى هو مصدر قوتها وسر بقائها إذا ما أعادت تشكيل نفسها لتصبح جزءًا مشاركًا في صناعة الإعلام بتطوره الطبيعي في وسائل الاتصال والتواصل بفضل تفوقها بالخبرات والطاقات الصحفية القادرة على تقديم محتوى منافس بأشكال ووسائل جديدة. الشركة الفرنسية المتخصصة في الأبحاث الاستطلاعية المسحية عبر الإنترنت Toluna نشرت هذا الأسبوع دراسة مثيرة بعنوان «المطبوع الورقي في عالم رقمي»، تؤكد فيها عودة الثقة أكبر في الإعلام المطبوع مع ازدياد الطلب على المطبوعات تدريجيًّا في 10 دول، هي الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وجنوب إفريقيا وإسبانيا والبرازيل وأستراليا، نتيجة انتشار الأخبار الكاذبة والدعائية عبر الصحف والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل أكبر، ف8 من بين كل 10 أشخاص شملتهم الدراسة في تلك الدول اختاروا تلقي الأخبار والمعلومات بالصيغة المطبوعة خوفًا من تبعات القرصنة وانتهاك الخصوصية لبياناتهم ومعلوماتهم الشخصية بسبب مشاكل التقنية عند الاشتراك في الخدمات الإلكترونية الإخبارية والإعلامية. اللافت أن الجيل الرقمي دون ال 24 عامًا في عينة البحث أبدوا قلقًا أكبر إزاء سهولة انتشار الأكاذيب عبر منصات التواصل، وثقة موازية بالنسبة للأكبر منهم سنًّا بمحتوى وسائل الإعلام المطبوع، إلا أنهم بقوا أقل تحمسًا للاحتفاظ بنسخة ورقية منه. ثقة العالم بالصحف الورقية أكثر من الإعلام الإلكتروني لا تعني بقاء هذه الصحف بشكلها الحالي بقدر ما تمنح مؤسساتها أفضلية في المنافسة (كمنتج موثوق) للمحتوى الإعلامي، متى ما استطاعت الدخول بذكاء واقتحام العالم الرقمي بقدراتها وإمكاناتها؛ لتصبح أسماء لها ثقلها ومكانتها؛ فالأهم من خوف توقُّف الصحافة الورقية هو مدى قدرة هذه المؤسسات على خلق فرص للتحول إلى منصات جديدة بذات القوة والفاعلية. على دروب الخير نلتقي.