تباينت آراء المشاركين في استطلاع (البلاد) حول المدة الزمنية المتوقعة لتوقف المعلنين عن الإعلان في الصحف الورقية وأي الوسائل تعد الأفضل أو تلك التي تحظى بالنصيب الأكبر في سوق الإعلان، ولكن معظمهم أكدوا أن الاقبال على الاعلان في الصحف الورقية شهد انخفاضاً ملحوظاً خلال السنوات الماضية وسيشهد مزيداً من الانخفاض خلال السنوات العشر القادمة وربما أقل من ذلك حسب تقديرات البعض. ولفت المشاركون في الاستطلاع إلى أن عدد المتابعين في وسائل الاتصال الحديثة والذي يعد بالملايين ساهم في جذب المعلن والمتابع معاً في ظل توجه عام نحو وسائل التقنية الحديثة. 15 سنة على الأكثر: بداية أكد الأستاذ شادي زاهد وهو صاحب شركة علاقات عامة وإعلان توجه معظم العملاء لديه نحو وسائل التقنية الحديثة للإعلان عن نشاطهم ومنتجاتهم. وأضاف :"انخفض اهتمام كثير من العملاء بالصحف الورقية" لافتاً إلى أن هناك شريحة لازالت تتعامل مع هذه الصحف وتدريجياً سينخفض عددهم مشيراً إلى أن الاقبال على الصحف الورقية سيتوقف بعد 15 عاماً بحد أقصى. واستطرد الأستاذ شادي زاهد بقوله:" هذا أمر طبيعي فتوجه العامة نحو وسائل الاتصال الحديثة دفع بالشركات والمؤسسات لمخاطبتهم من خلالها وهي من وجهة نظرهم أسهل وأسرع من الصحف الورقية في ايصال الرسائل للمستهدفين منها. ولفت زاهد إلى أن أسعار الإعلانات في وسائل الاتصال الحديثة أقل من الاعلان في الصحف الورقية والتي لازالت متمسكة بأسعارها القديمة رغم المنافسة الشديدة وانخفاض واردات الصحف من الإعلانات التجارية. ابحثوا عن البديل: من جانبه دعا المهندس فوزي بن أيوب صبري عضو مجلس إدارة مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر ورئيس مجلس إدارة (مجموعة سادن العربة القابضة) القياديين في الصحف الورقية للبحث عن بدائل للإعلان. وقال:" من خلال اجتماع مجلس إدارة عكاظ ناقشنا عدداً من الحلول المقترحة لرفع مستوى الدخل بعد أن انخفض حجم الإعلانات التجارية في عكاظ خلال السنوات الأخيرة وتوجه المعلنين للإعلان من خلال وسائل التقنية الحديثة والاكتفاء بإعلانات التعزية والميزانيات في الصحف الورقية." واضاف:" كما تلاحظ ويلاحظ الجميع أن المتابعين في وسائل الاتصال الحديثة بالملايين أما الصحف الورقية فإن قراءها لا يصلون سوى لعشرات الألوف فقط وهو رقم ضئيل مقارنة بشخص واحد عنده متابعين بمئات الألوف وآخرين يصل عدد متابعيهم ل 4 ملايين متابع." ولفت المهندس فوزي صبري إلى أن المعلن يهمه اطلاع أكبر عدد ممكن على إعلانه "وهذا الأمر دعانا في مجموعة (سادن العربة) للتوجه لوسائل الاتصال الحديثة للإعلان عن أعمالنا ومشاريعنا وبحمد الله اطلع عليها الملايين وبتكلفة أقل مما كنا ندفعه للصحف الورقية". نبحث عن الأفضل: وفي الإطار نفسه أكد الأستاذ حسن العربي مدير إدارة العلاقات العامة والإعلام في مجموعة المغربي أن المعلن دائما يبحث عن الوسيلة الأفضل لايصال إعلانه لجميع المستهدفين من إعلانه. واضاف العربي:" نحن في مجموعة المغربي توجهنا نحو الصحف الإلكترونية والمواقع التي تحظى بمتابعين كثر. فالعدد يهمنا بالدرجة الأولى وكلما وجدنا موقعاً يرتاده كثير من الناس بعثنا برسائلنا من خلاله." واستطرد الأستاذ حسن العربي قائلاً:"إعلاناتنا من خلال هذه القنوات الحديثة حققت نتائج إيجابية فاقت النتائج التي تحققت في السابق من خلال الإعلان في الصحف الورقية." ولفت الأستاذ حسن العربي إلى أن معظم الصحف لم تستطع مجاراة وسائل الاتصال الحديثة والتي سحبت منها الإعلان بكثرة متابعيها إضافة لأسعارها المعتدلة مقارنة بأسعار الإعلانات في الصحف الورقية والتي لازالت رغم انخفاضها تعد مرتفعة جداً جداً. لا تأثير على الإعلان الورقي: من جهته قلل الأستاذ عادل هندي مدير إدارة الإعلانات في مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر من سلبيات تعاطي المعلنين مع مشاهير (السوشيال ميديا). وقال في تعليقه:" لازال الإعلان في الصحف يعتبر وسيلة مهمة لايصال رسالة المعلن للمستهدفين وذلك لتميزه عن غيره بالمصداقية إضافة لكون المستهدف يحتفظ بالإعلان وبكامل المعلومات التي يحتوي عليها." وأضاف:" وبالنسبة للإعلان من خلال المشاهير فالمشاهد يراه سريعاً ولا يستطيع الحفاظ عليه لوقت طويل." واستطرد قائلاً:" بعض المعلنين لازالوا يعتبرون الإعلان عبر الصحف الورقية أكثر مصداقية ودقة وهناك ميزة أخرى فالإنسان بإمكانه الاحتفاظ بالإعلان وبكامل محتوياته ومعلوماته ولذلك فالإعلان من خلال الصحف الورقية لن يتوقف على المدى القريب أو البعيد نوعاً ما وإن انخفض معدله ونوعه وكميته عن السابق." وأشار الأستاذ عادل هندي إلى أن الإعلان من خلال الصحف سيستمر سنوات وسنوات ولن يكون هناك انقطاع أو استغناء عنه بشكل كامل. مستقبل الورق غامض جداً: وفي السياق نفسه قال المستشار الإعلاني الأستاذ / أحمد شرف الدين :"إن الصحافة بشكل عام قد تتعرض لخطر واسع يؤثر على قدرات العديد من الصحف أمام طغيان شركات (السوشيال ميديا) العالمية "فيس بوك" و"تويتر" وغيرها من الشبكات، وأمام العملاق "جوجل" وسيطرته على قطاعات واسعة من سوق الإعلانات فى العالم… وقد يتصور البعض أن الصحافة المطبوعة وحدها هي التي تتعرض للمخاطر ويهددها الانقراض والضعف نتيجة ندرة الإعلانات وتحول المعلنين لمشاهير (السوشيال ميديا) رغبة في الاستفادة من حجم المتابعين والذي قد يصل عند بعضهم إلى الملايين ، وأن البديل هو الصحافة الإلكترونية التى تحتل الصدارة فى المتابعة ويتسع انتشارها بين مستخدمي شبكات الإنترنت، لكن الحقيقة أن الصحافة الإلكترونية هى أيضًا فى عين عاصفة المخاطر، وقد تتعرض لتهديدات أكبر مما تتعرض لها الصحف الورقية … كيف نتعامل مع شبكات التواصل، وكيف نفهم لوغاريثمات جوجل، وكيف نتعامل مع منصات عرض منتجاتنا الإخبارية على هذه الشبكات العالمية العملاقة، وكيف ندير شكل عرض المحتوى على "فيس بوك" و"تويتر" و"جوجل نيوز"، و"ياهو نيوز" و"انستجرام" وغيرها من الشبكات العملاقة المسيطرة على العالم….؟. مواقع الصحف على شبكة الانترنت تفرح بعدد محدود من القراء يدخلون مباشرة إلى موقع الصحيفة، وتحتفل بحجم ال (شير) الذى تناله أخبارها، فى حين انصراف العدد الأكبر والأعظم من هؤلاء القراء عن الموقع نفسه، والاكتفاء بمتابعة المحتوى على شبكات التواصل، فحين تسأل قارئا الآن سؤالاً بسيطاً:"أين قرأت هذه المعلومات؟ فلن يتردد فى الإجابة :"طبعا على فيس بوك!"، ليختفى المرجع الأساسى للخبر "وهو الصحيفة نفسها" ويبقى الفيس بوك هو الموقع الوحيد الذى يصنف ويفهرس ويعرض …الصحف قد تكسب شهرة سبقها بنشر الأخبار، وقد تكسب انتشارًا لاسمها فى فضاء الإنترنت، لكنها حتمًا تخسر خسارة فادحة بانصراف القراء إلى مطالعة المحتوى نفسه على منصة عملاقة أخرى اسمها "فيس بوك" أو "تويتر" أو "جوجل نيوز" أو عبر تطبيقات الأخبار من "ياهو" أو من تطبيقات السطو على المحتوى فى الموبايلات المنتشرة على "أبل ستور" أو "أندرويد" أو عبر مشاهير "السوشيال ميديا"…النتيجة إذن: الصحف الورقية ننتج الخبر بتكلفة كبيرة … تدرب محرريها على العمل … تسدد فواتير تكلفة إنتاج المادة الصحفية … تلهث وراء صور جديدة.. تخاطر بالوصول لمناطق انفرادات صعبة … ثم بعد ذلك تعرض كل هذا بلا ثمن على "فيس بوك" و"جوجل" و"تويتر" و"إنستجرام" وغيرها، باعتبارها شبكات وصول للقراء، لكن الحقيقة أن هذه الشبكات تربح أموالاً طائلة من وراء هذا الإنتاج الكبير، والصحافة الالكترونية والورقية تخسر خسارة مذهلة من وراء هذا النزيف فى قرائها الذين يلاحقون الصحف فى شبكات التواصل وليس على مواقع هذه الصحف نفسها. … ويجب أن نعلم أن المعلنين، حتى فى القطاع الحكومي والبنوك ، والهيئات العامة والخاصة يميلون الآن نحو الأسعار الزهيدة التى يجدونها عبر مشاهير السوشيال ميديا … وأصبح كل يوم تظهر لنا تطبيقات جديدة، وشبكات اجتماعية مختلفة، تجذب البساط ممّا قبلها، ويبدو أن الكفة حالياً ستميل إلى تطبيق "سناب شات" الذي زاد الإقبال عليه خاصة في منطقة الخليج، ليشترك فيه الكثير من النجوم، مشاهير المجتمع ويتم عن طريقه الترويج للمستهلكين عن سلع ومنتجات ويكون المردود أسرع وأكثر انتشاراً من الصحف الورقية … إلا أنه وبموجب قناعة شخصية فإن الإعلانات لن تتوقف في الصحف الورقية لكن سيقل دخلها بشكل كبير ، وأن الصحف الورقية القوية ستستمر لسنوات قادمة بعدد أقل من الصفحات التحريرية والحد الأدنى من الإعلانات التي ستغطي التكلفة والربح اليسير ، وهناك عشرات الآلاف من القراء مازالوا يتابعون الصحف الورقية ويمتعون شهيتهم للقراءة عبرها". استفدنا منهم: من جهته اعتبر الأستاذ عبدالله باصره وهو صاحب شركة عقارية أن الإعلان من خلال مشاهير السوشل ميديا أفضل وسيلة في الوقت الحاضر لتسويق منتجاته. وقال في هذا الإطار:" جربنا التسويق من خلالهم ونجحنا فيما فشلنا في السابق عندما اعلنا من خلال الصحف". واضاف باصره:"إعلان المشاهير رغم مدته الزمنية القصيرة ولكن الملايين اطلعوا عليه وحققنا مبيعات جيدة بعد الإعلان". الكفة مالت إلى الرقمية: إلى ذلك أشار الأستاذ محمد العائد، الرئيس التنفيذي لشبكة تراكس للعلاقات العامة، إلى أن الكفة قد مالت بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة إلى الصحافة الإلكترونية على حساب الصحافة المطبوعة، في ظل تزايد انتشار الإنترنت وارتفاع عدد مستخدمي الإنترنت، والانتشار المذهل لوسائل التواصل الاجتماعي ونجاحها في استقطاب المزيد من المستخدمين. ويقول العائد موضحاً:"لقد شهدنا على مدى السنوات الماضية تحول العديد من الصحف والمجلات المطبوعة إلى إلكترونية، وكان ذلك توجهاً منطقياً نظراً لانصراف القراء عن هذه الوسائل وتوجههم إلى الوسائل الإلكترونية التي توفر لهم المعلومات وآخر الأخبار عن أحداث العالم بشكل سريع فور وقوعها. والمعلوم أن الإعلان هو المحرك الرئيسي لصناعة الصحافة المطبوعة، ولكن مع حدوث هذا التحول نشأت صناعة ضخمة هي الإعلان عبر المواقع الإلكترونية، والتي يتوقع أن تشهد تطوراً ونمواً كبيرين في المنطقة العربية. ولكن هل يعني ذلك أن الصحافة المطبوعة في طريقها للاندثار؟ أعتقد أن الصحف والمجلات تواجه صعوبات كبيرة بالفعل، وإذا ما أرادت الاستمرار وتعزيز قدرتها على منافسة الوسائل الإلكترونية، فإن عليها تطوير أدواتها وامتلاك قدرة عالية على الابتكار، والتفاعل مع قرائها بشكل أكبر. وعليها الغوص بعمق في القضايا التي تهم المجتمع، من خلال تحقيقات متكاملة وشاملة تعرض من خلالها مختلف وجهات النظر ومختلف آراء الخبراء والمختصين. ويمكن كذلك تنظيم فعاليات ثقافية ورياضية مختلفة تشارك فيها قطاعات مختلفة من المجتمع. وأعتقد كذلك أن تنظيم المسابقات التي تقدم جوائز كبيرة هو من أهم الوسائل التي تساعد على المحافظة على القراء الحاليين واجتذاب المزيد من القراء. من المؤكد أن طريق الصحافة المطبوعة نحو المستقبل لا تحفه الرياحين، ولكنني أعتقد أن قدرة هذا القطاع على الاستمرار والمنافسة تقوم بشكل رئيسي على قدرة قادة هذا القطاع على الابتكار والإبداع."